للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عبادة بني إسرائيل العجل]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فلما رأى قوم موسى أنه لم يرجع إليهم في الأجل ساءهم ذلك، وكان هارون قد خطبهم، وقال: إنكم قد خرجتم من مصر ولقوم فرعون عندكم عوار وودائع].

قوله: عوارٍ: جمع عارية، والودائع: جمع وديعة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولكم فيهم مثل ذلك فإني أرى أنكم تحتسبون ما لكم عندهم، ولا أحل لكم وديعة استودعتموها ولا عارية، ولسنا برادين إليهم شيئاً من ذلك ولا ممسكيه لأنفسنا، فحفر حفيراً وأمر كل قوم عندهم من ذلك من متاع أو حلية أن يقذفوه في ذلك الحفير، ثم أوقد عليه النار فأحرقته فقال: لا يكون لنا ولا لهم، وكان السامري من قوم يعبدون البقر جيران لبني إسرائيل، ولم يكن من بني إسرائيل فاحتمل مع موسى وبني إسرائيل حين احتملوا.

فقضي له أن رأى أثراً فقبض منه قبضة، فمر بهارون فقال له هارون عليه الصلاة والسلام: يا سامري، ألا تلقي ما في يدك؟ -وهو قابض عليه لا يراه أحد طول ذلك- فقال: هذه قبضة من أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر ولا ألقيها لشيء إلا أن تدعو الله إذا ألقيتها أن يجعلها ما أريد، فألقاها].

أي: ألقى أثر الفرس الذي عليه جبريل.

وقوله: قابض أي: على قبضة التراب في يده من أثر الفرس الذي عليه جبريل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ودعا له هارون فقال: أريد أن يكون عجلاً فاجتمع ما كان في الحفيرة من متاع، أو حلية، أو نحاس، أو حديد، فصار عجلاً أجوف ليس فيه روح وله خوار، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا والله ما كان له صوت قط، إنما كانت الريح تدخل في دبره وتخرج من فيه، وكان ذلك الصوت من ذلك فتفرق بنو إسرائيل فرقاً، فقالت فرقة: يا سامري ما هذا وأنت أعلم به؟ قال: هذا ربكم ولكن موسى أضل الطريق].

كما قال الله تعالى قال: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} [طه:٨٨].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فقالت فرقة: لا نكذب بهذا حتى يرجع إلينا موسى فإن كان ربنا لم نكن ضيعناه وعجزنا فيه حين رأيناه].

أي: اشتبه عليهم ربهم فما عرفوه، نسأل الله العافية.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فقالت فرقة: لا نكذب بهذا حتى يرجع إلينا موسى، فإن كان ربنا لم نكن ضيعناه وعجزنا فيه حين رأينا، وإن لم يكن ربنا فإنا نتبع قول موسى.

وقالت فرقة: هذا من عمل الشيطان وليس بربنا، ولا نؤمن به، ولا نصدق، وأشرب فرقة في قلوبهم الصدق بما قال السامري في العجل].

وقوله: أشرب أي: أشربوا حب العجل.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أعلنوا التكذيب به، فقال لهم هارون عليه الصلاة والسلام: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} [طه:٩٠]، قالوا: فما بال موسى وعدنا ثلاثين يوماً ثم أخلفنا، هذه أربعون يوماً قد مضت، وقال سفهاؤهم: أخطأ ربه فهو يطلبه يتبعه، فلما كلم الله موسى وقال له ما قال أخبره بما لقي قومه من بعده: {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} [طه:٨٦]، فقال لهم ما سمعتم في القرآن، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، وألقى الألواح من الغضب، ثم إنه عذر أخاه بعذره واستغفر له.

وانصرف إلى السامري فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طه:٩٦]، وفطنت لها، وعميت عليكم، {فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه:٩٦ - ٩٧].

ولو كان إلهاً لم يخلص إلى ذلك منه، فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة، واغتبط الذين كان رأيهم فيه مثل رأي هارون، فقالوا لجماعتهم: يا موسى، سل لنا ربك أن يفتح لنا باب توبة نصنعها فيكفر عنا ما عملنا].

أي: يكفر عنهم ذنبهم حينما عبدوا العجل، وقولهم: سل لنا ربك؛ لأنه كان وجيهاً عنده، ومع عتوهم فهم معترفون بها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فاختار موسى قومه سبعين رجلاً لذلك لا يألوا الخير خيار بني إسرائيل، ومن لم يشرك في العجل، فانطلق بهم يسأل لهم التوبة فرجفت بهم الأرض، فاستحيا نبي الله من قومه، ومن وفده حين فعل بهم ما فعل.

فقال: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} [الأعراف:١٥٥]، وفيهم من كان الله اطلع منه على ما أشرب قلبه من حب العجل وإيمانه به، فلذلك رجفت بهم الأرض فقال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ} [الأعراف:١٥٦ - ١٥٧].

فقال: يا رب، سألتك التوبة لقومي فقلت: إن رحمتي كتبتها لقوم غير قومي هلا أخرتني حتى تخرجني في أمة ذلك الرجل المرحومة؟].

يقصد: محمداً صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فقال له: إن توبتهم أن يقتل كل رجل منهم من لقي من والد وولد فيقتله بالسيف ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن، وتاب أولئك الذين كان خفي على موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام واطلع الله من ذنوبهم فاعترفوا بها، وفعلوا ما أمروا، وغفر الله للقاتل والمقتول].

هذه التوبة قال الله تعالى فيها: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} [البقرة:٥٤]، توبتهم من عبادة العجل أن يقتل أحدهم أباه أو أخاه، فكل واحد يقتل من أمامه، فانجلت هذه الغمة وتاب الله عليهم.

نسأل الله السلامة والعافية.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم سار بهم موسى عليه الصلاة السلام متوجهاً نحو الأرض المقدسة، وأخذ الألواح بعد ما سكت عنه الغضب، فأمرهم بالذي أمرهم به أن يبلغهم من الوظائف فثقل ذلك عليهم، وأبوا أن يقروا بها فنتق الله عليهم الجبل كأنه ظلة، ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم فأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مصغون ينظرون إلى الجبل، والكتاب بأيديهم، وهم من وراء الجبل مخافة أن يقع عليهم].

كما قال الله: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [الأعراف:١٧١] نعم.