للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر احتجاج آدم وموسى]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولهذا قال: {ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [طه:٤٠]، قال مجاهد: أي على موعد، وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: {ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [طه:٤٠]، قال: على قدر الرسالة والنبوة].

فقدر الله أن الله يرسله وينبئه في هذا الوقت.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:٤١]، أي: اصطفيتك واجتبيتك رسولاً لنفسي، أي: كما أريد وأشاء، وقال البخاري عند تفسيرها: حدثنا الصلت بن محمد قال: حدثنا مهدي بن ميمون قال: حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (التقى آدم وموسى فقال موسى: أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة، فقال آدم: وأنت الذي اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه وأنزل عليك التوراة؟ قال: نعم، قال: فوجدته قد كتب علي قبل أن يخلقني قال: نعم.

فحج آدم موسى)، أخرجاه].

أي: آدم حج موسى؛ لأن موسى إنما لام آدم على المصيبة التي لحقته وذريته بالإخراج من الجنة، فقال: أنت أشقيتنا وأشقيت نفسك وأخرجتنا من الجنة، فاحتج آدم بأن المصيبة مكتوبة عليه، قال: (أنت الذي اصطفاك الله برسالته)، وقوله: فوجدت ذلك أي: في التوراة مكتوب علي، وفي اللفظ الآخر: (قبل أن أخلق بأربعين سنة؟ قال: نعم.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى).

وفي لفظ أنه كرر هذا اللفظ ثلاث مرات: (حج آدم موسى، حج آدم موسى) أي: غلبه وخصمه بالحجة؛ لأن الاحتجاج بالقدر على المصيبة جائز، وليس المراد أنه لامه على الذنب؛ لأنه تاب من الذنب والتائب لا يلام، وإنما لامه موسى على المصيبة التي لحقته وذريته فاحتج آدم بأن المصيبة مكتوبة عليه، والاحتجاج بالقدر على المصائب جائز.

ولا يجوز الاحتجاج بالقدر على الذنوب والمعاصي، فالقدر ليس بحجة للعصاة ولا للكفرة، ولو كان حجة لكان حجة لقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح الكفرة، والزاني لا يحتج على زناه بالقدر، ولما جاء السارق إلى عمر رضي الله عنه وقد سرق وأراد عمر أن يقطع يده احتج السارق بالقدر، وقال: مكتوب علي، أنا سرقت بقضاء الله وقدره، فقال: عمر رضي الله عنه: ونحن نقطع يدك بقضاء الله وقدره، فقطع يده.

وهذا معنى قول أهل العلم: يحتج بالقدر على المصائب لا على المعائب، المعائب هي: الذنوب والمعاصي، والمقصود أن آدم غلب موسى بالحجة؛ لأنه احتج عليه بأن المصيبة مكتوبة عليه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقوله: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي} [طه:٤٢]، أي: بحججي وبراهيني ومعجزاتي {وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه:٤٢]، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: لا تبطئا، وقال مجاهد عن ابن عباس: لا تضعفا، والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله بل يذكران الله في حال مواجهة فرعون ليكون ذكر الله عوناً لهما عليه، وقوة لهما وسلطاناً كاسراً له كما جاء في الحديث: (إن عبدي كل عبدي للذي يذكرني وهو مناجز قرنه)].

أي: وهو يقاتل عدوه، وقرنه: المقارن له، وقوله صلى الله عليه وسلم: (كل عبدي للذي يذكرني وهو مناجز قرنه)، أي: في الجهاد في سبيل الله، ويقاتل (قرنه)، أي: المكافئ له بالقوة والشجاعة، فالمجاهد في سبيل الله إذا كان يذكر الله ففضله عظيم، وهذا أفضل الأعمال، وأما ما جاء في الحديث: (ألا أخبركم بما هو أفضل من إنفاق الذهب والفضة ومن أن تلقوا عدوكم: تضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ ذكر الله)، قال العلماء: المراد: أفضل من الجهاد مع الغفلة، أما الجهاد مع الذكر كما في هذا الحديث: (إن عبدي كل عبدي للذي يذكرني وهو مناجز قرنه)، أي: العبد حقيقة الذي قام بمقام العبودية ووفاها حقها هو الذي يذكر الله وهو مناجز قرنه.

وهذا الحديث رواه الترمذي في السنن من حديث عمارة بن زعكرة رضي الله عنه.

وقال الترمذي هذا حديث غريب ولا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي.

والحديث إسناده ضعيف، لكن معناه صحيح، فالذي يذكر الله وهو مناجز قرنه قد جمع بين عبادتين: الجهاد وذكر الله.