للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وأسروا النجوى الذين ظلموا)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء:٣] أي: قائلين فيما بينهم خفية {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الأنبياء:٣]، يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم يستبعدون كونه نبياً؛ لأنه بشر مثلهم فكيف اختص بالوحي دونهم؛ ولهذا قال: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء:٣]، أي: أفتتبعونه فتكونون كمن أتى بالسحر وهو يعلم أنه سحر، فقال تعالى مجيباً لهم عما افتروه واختلقوه من الكذب {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأنبياء:٤]، أي: الذي يعلم ذلك لا يخفى عليه خافية، وهو الذي أنزل هذا القرآن المشتمل على خبر الأولين والآخرين الذي لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله إلا الذي يعلم السر في السموات والأرض.

وقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنبياء:٤]، أي: السميع لأقوالكم العليم بأحوالكم، وفي هذا تهديد لهم ووعيد].

في هذه الآيات إثبات هذين الأسمين لله عز وجل فمن أسمائه السميع والعليم، وفيه إثبات صفة السمع والعلم لله عز وجل؛ لأن أسماء الله مشتقة وليست جامدة، فكل اسم مشتمل على صفة، فقوله: (هو السميع) فيه إثبات السمع، ويدعى الله بأسمائه فيقال: يا سميع يا عليم، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠].

ففي هذه الآية إثبات صفة السمع والعلم، فهو يسمع أقوال عباده ويعلم أحوالهم ونياتهم، قال سبحانه وتعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة:١].

قالت عائشة رضي الله عنها: (سبحان من وسع سمعه الأبصار لقد جاءت المجادلة -وهي خولة بنت حكيم - تجادل النبي صلى الله عليه وسلم في زوجها أوس بن الصامت وقد ظاهر منها وقال لها: أنت كظهر أمي، فجاءت تشتكي وتجادل النبي صلى الله عليه وسلم وتشتكي إلى الله، وتقول: يا رسول الله! ماذا أعمل؟ أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابة فلما نثر بطني وأكل مالي جعلني كظهر أمه، فقال لها النبي: ما أراك إلا حرمت عليه، قالت: أشكو إلى الله صبية إن ضممتهم إلي جاعوا أو إليه ضاعوا، فجعلت تجادل النبي صلى الله عليه وسلم وقالت عائشة: وكان يخفى علي بعض كلامها، والله سمع من فوق سبع سماوات فأنزل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:١])، ثم جاء الفرج وجاءت الفتوى من الله تعالى فقال: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ} [النساء:١٢٧]، وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة:٢]، فبين الله حكم الظهار في هذه الآية.

والسمع والبصر من صفاته الذاتية قال تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، والفعلية مثل الكلام، فإن الكلام يتعلق بالمشيئة، والاختيار والغضب والرضا والاستواء هذه أيضاً من الصفات الفعلية، فهي متعلقة بالمشيئة والاختيار.