للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان أن الكفار مغلوبون، ومعنى نقص الأرض]

قال الله تعالى: [{بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ * قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ * وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:٤٤ - ٤٧].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [يقول تعالى مخبراً عن المشركين: إنما غرهم وحملهم على ما هم فيه من الضلال أنهم مُتّعوا في الحياة الدنيا، ونعموا وطال عليهم العمر فيما هم فيه، فاعتقدوا أنهم على شيء، ثم قال واعظاً لهم: {أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الأنبياء:٤٤]، اختلف المفسرون في معناه، وقد أسلفناه في سورة الرعد، وأحسن ما فسر بقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأحقاف:٢٧].

وقال الحسن البصري: يعني بذلك: ظهور الإسلام على الكفر، والمعنى: أفلا يعتبرون بنصر الله لأوليائه على أعدائه، وإهلاكه الأمم المكذبة، والقرى الظالمة، وإنجائه لعباده المؤمنين؛ ولهذا قال: {أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الأنبياء:٤٤] يعني: بل هم المغلوبون الأسفلون الأخسرون الأرذلون].

أي: أن هؤلاء المشركين لما متعهم الله، وطال عليهم العمر ظنوا أنهم على شيء، قال الله تعالى مبيناً: {أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الأنبياء:٤٤] بإهلاك الكفرة المخالفين للرسل، كما قال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى} [الأحقاف:٢٧]، فهذا هو نقص الأرض بإهلاك هؤلاء الكفرة، وغلبة الرسل عليهم، وإنجاء الله للرسل وأتباعهم، فكيف تغترون أيها الكفار بما متعتم به من الأعمار فتظنون أنكم على شيء؟! ألا ترون أن المكذبين أهلكهم الله؟ فلا تستمروا على كفركم فإن عاقبتكم كعاقبتهم.

وقوله تعالى: {بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الأنبياء:٤٤] أي: بل هم المغلوبون الأسفلون، فالمكذبون وأعداء الرسل هم المغلوبون، وهم المهلكون، والعاقبة للرسل وأتباعهم.

وقوله: (ننقصها) هذا نقص في الأرض، وجاء قول آخر أن معنى ذلك موت العلماء.

فإن قيل: هل تستجاب دعوة الكافر؟ قلنا: نعم، قد تجاب دعوته؛ لأن هذا يتعلق بالربوبية، كما أن الله يخلق الكافر ويرزقه فقد يجيب دعوته إذا كان مضطراً، ولا يدل ذلك على قربه من الله؛ ولأنه قد يكون مظلوماً أيضاً فتجاب دعوته ولو كان كافراً، والمؤمن قد يمنع ولا تجاب دعوته إذا كان آكلاً للحرام متلبساً بالمعاصي حتى يتوب إلى الله.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [{قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} [الأنبياء:٤٥] أي: إنما أنا مبلغ عن الله ما أنذركم به من العذاب والنكال، وليس ذلك إلا عما أوحاه الله إلي، ولكن لا يجدي هذا عمن أعمى الله بصيرته، وختم على سمعه وقلبه، ولهذا قال: {وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ} [الأنبياء:٤٥].

وقوله: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء:٤٦] أي: ولئن مس هؤلاء المكذبين أدنى شيء من عذاب الله ليعترفن بذنوبهم، وأنهم كانوا ظالمين لأنفسهم في الدنيا.

وقوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء:٤٧] أي: ونضع الموازين العدل ليوم القيامة، والأكثر على أنه إنما هو ميزان واحد، وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه].