للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية القصاص يوم القيامة]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو نوح قراد قال: أنبأنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس بين يديه فقال: يا رسول الله! إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافاً لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلاً لك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل الذي بقي قبلك، فجعل الرجل يبكي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماله لا يقرأ كتاب الله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:٤٧]، فقال الرجل: يا رسول الله! ما أجد شيئاً خيراً من فراق هؤلاء - يعني عبيده - إني أشهدك أنهم أحرار كلهم)].

أبو نوح هو عبد الرحمن بن غزوان، وكنيته أبو نوح ولقبه قراداً.

وليث بن سعد إمام، والزهري كذلك إمام، وعروة إمام من أئمة التابعين.

هذا الرجل يقول: إن له عبيداً لا يطيعونه ويكذبونه ويخونونه، وهو يضربهم ويشتمهم، ويقول للرسول صلى الله عليه وسلم ما حالي وحالهم يوم القيامة؟ فقال: ينظر إن كان عقابك إياهم أقل من كذبهم وخيانتهم لك بقي لك فضل يوم القيامة، وإن كان بمقدار كذبهم وخيانتهم فهو كفاف لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك أكثر فيقتصون منك الزائد، فاختار أن يفارقهم وأعتقهم.

والسيد إذا ضرب عبيده ضرب تأديب فلا بأس بذلك، فضرب التأديب مطلوب، لكن إذا زاد فذلك ممنوع، والمراد أن يكون الضرب ضرب تأديب لا ضرب تعذيب، وكذلك ضرب الخادم، وضرب التلميذ، وضرب الأب لابنه، فالأب ينبغي عليه أن يضرب ضرب تأديب، فإذا زاد فإنه يقتص منه، فلا يضرب ضرب تعذيب وإيذاء.

وكذلك ضرب الرجل زوجته عند خوف نشوزها قال الله تعالى: {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:٣٤]، فبعد الوعظ والهجر يأتي الضرب، ويكون ضرب تأديب، قال العلماء: لا يضرب الوجه، ولا يكسر عظماً، ولا يجرح.