للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وآتيناه أهله ومثلهم معهم)]

قال الله تعالى: [وقوله: {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} [الأنبياء:٨٤] قد تقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ردوا عليه بأعيانهم، وكذا رواه العوفي عن ابن عباس أيضاً].

يعني: أن الله أحيا أهله أنفسهم ورد ماله بعينه، والله على كل شيء قدير، والله تعالى يقول: ((وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)).

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وروي مثله عن ابن مسعود ومجاهد وبه قال الحسن وقتادة.

وقد زعم بعضهم أن اسم زوجته رحمة، فإن كان أخذ ذلك من سياق الآية فقد أبعد النجعة].

يعني: إن كان ذلك أخذاً من الآية: ((وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا)) فهذا بعيد، والله أعلم باسمها.

والنجعة بالضم، والشائع عند الناس النَجعة بالفتح، وفي القاموس النُجعة بالضم.

وقوله تعالى: ((وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ)) معنى الآية: أنه أوتي أهله وأهلاً آخرين، يعني زوجات أخر.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد زعم بعضهم أن اسم زوجته رحمة، فإن كان أخذ ذلك من سياق الآية فقد أبعد النجعة، وإن كان أخذه من نقل أهل الكتاب وصح ذلك عنهم، فهو مما لا يصدق ولا يكذب.

وقد سماها ابن عساكر في تاريخه -رحمه الله تعالى-قال: ويقال: اسمها ليا بنت منشا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، قال: ويقال: ليا بنت يعقوب عليه السلام زوجة أيوب عليه السلام، كانت معه بأرض البثنية].

والبثنية قرية بين دمشق وأذرعات.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال مجاهد: قيل له: يا أيوب إن أهلك لك في الجنة فإن شئت أتيناك بهم، وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوضناك مثلهم.

قال: لا، بل اتركهم لي في الجنة.

فتركوا له في الجنة وعوض مثلهم في الدنيا.

وقال حماد بن زيد عن أبي عمران الجوني عن نوف البكالي قال: أوتي أجرهم في الآخرة وأعطي مثلهم في الدنيا.

قال فحدثت به مطرفاً فقال: ما عرفت وجهها قبل اليوم].

يعني: ما عرفت تأويلها إلا الآن لما سمعت هذا الكلام.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهكذا روي عن قتادة والسدي وغير واحد من السلف، والله أعلم].

معنى قوله تعالى: ((َآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ)) على هذا التفسير: أنه رد الله عليه أهله، وأعطاه مثلهم في الأجر، لكن هذا خلاف ظاهر الآية، فظاهر الآية: أنه أوتي أهله وأوتي معهم في الدنيا، لكن نوفاً البكالي يقول: إنه أوتي أهله في الدنيا وأعطي مثل أجورهم في الآخرة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: ((رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا)) أي: فعلنا به ذلك رحمة من الله به.

((وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)) أي: وجعلناه في ذلك قدوة؛ لئلا يظن أهل البلاء إنما فعلنا بهم ذلك لهوانهم علينا، وليتأسوا به بالصبر على مقدورات الله وابتلائه لعباده بما يشاء، وله الحكمة البالغة في ذلك].

الله سبحانه وتعالى بين أن الحكمة من ابتلاء أيوب عليه السلام فقال: ((رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)) أي: ليتأسى به أهل البلاء وليكون قدوة لهم في الصبر على البلاء، ولئلا يظنوا أنهم ابتلوا لهوانهم على الله، وليعلموا أن الله إنما ابتلاهم لحكمة بالغة، فهذا أيوب نبي كريم ابتلاه الله، وهو عليه الصلاة والسلام قدوة لكل مبتلى.