للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مدته ومدة خلافة موسى الهادي بعده.

فلما كانت خلافة هارون الرشيد ذكر يوما حسن صنيع أبيه في البرد التي جعلها بينهما، فقال له يحيى بن خالد: لو أمر أمير المؤمنين بإجراء البريد على ما كان عليه صلاحا لملكه، فأمره به، فقرره يحيى بن خالد ورتبه على ما كان عليه أيام بني أمية، وجعل البغال في المراكز؛ وكان لا يجهز عليه إلا الخليفة أو صاحب الخبر، ثم استمر على هذا. ولما دخل المأمون بلاد الروم ونزل على نهر البرذون، وكان الزمان حرا والفصل صيفا، قعد على النهر ودلى رجليه فيه وشرب ماءه، فاستعذبه واستبرده واستطابه، وقال لمن كان معه: ما أطيب ما شرب عليه هذا الماء؟ فقال كل رجل برأيه، فقال: أطيب ما شرب عليه هذا الماء رطب (إزاز)، قالوا له: يعيش أمير المؤمنين حتى يأتي العراق ويأكل من رطبها الإزاز، فما استتموا كلامهم حتى أقبلت بغال البريد تحمل ألطافا منها رطب إزاز، فأتي المأمون منها فأكل وأمعن، وشرب من ذلك الماء فأكثر، فعجب الحاضرون لسعادته في أنه لم يقم من مقامه حتى بلغ أمنيته، على ما كان يظن من تعذرها؛ فلم يقم المأمون من مقامه حتى حم حمى حادة كانت فيها منيته.

ثم قطع بنو بويه البريد حين علوا على الخلافة وغلبوا عليها؛ وإنما أرادوا بقطعه أن يخفى على الخليفة ما يكون من أخبارهم وحركاتهم أحيان قصدهم بغداد؛ وكان الخليفة لا يزال يأخذ بهم على بغتة.

وجاءت الملوك السلاجقة على هذا؛ وأهم ملوك الإسلام اختلاف ذات بينهم وتنازعهم، فم يكن بينهم إلا الرسل على الخيل والإبل، في كل أرض بحسبها.

فلما أتت الدولة الزنكية أقامت لهذا النجابة، وأعدت لهم النجب المنتخبة.

<<  <   >  >>