للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإلمام؛ فهدت تلك الأركان، وهدمت ما كأن شيئا منها كان؛ فأصبحت تسقى بماء العبرات، وتروى بأجاج لا يرويها العذب الفرات.

في قلعة شاهقة: وهي أي قلعة يقص دونها قوادم النسر، وتعرف بضمها إلى النجوم أن جميع القلاع غيرها مبني على الكسر؛ قد ذلت الرياح عن طرقها، ونزلت الكواكب دون أفقها؛ ومتت إليها البروق بأسباب لم تقطع، وفصل عليها ثوب السحاب لكنه مذ وقع دونها ما توقع؛ قد استعلت على قنة جبل ازداد بها رفعة منار، وأصبح بها - وهو صخر - علما في رأسه نار.

في حصن شاهق محصن: ودونه جبال رفيعة، وأودية منيعة؛ وقد بني على قنة يقع دونها النسر الطائر، ويقنع بدون طيفها الخيال الزائر؛ قد آلت السحب إلا تفرجت عنه فروجها، والشهب إلا ميزت منه بروجها؛ قد أذكى البرق فيه شعله، وغلقت عليه السماء أبوابها المقفلة؛ وأنكرت الشمس فيه الأيام، وخفيت دونه الأهلة فما رئيت إلا في التمام؛ وتمنطقت أسواره بالمجانيق التي حالت العهود، وحلت العقود؛ وهدرت في كل ناحية فنيقها، ونزلت في كل جهة فريقها؛ ورداء أسواره من المقاتلة أسوار، ومن أهل النوب من جرت معهم أطوار؛ وما عملت في صخوره المعاول، ولا دبت نقوبها في المفاصل، ولا نفذت منه المادة ولا انقطع عنه الواصل.

في منازل بلد: وأحدق بذلك البلد، وقطع من نسله كل ما ولد، وحسمت عنه مواد الحلب

حتى قل منه الجلد؛ وضربت حولها الخيام، وكثر عليها القتام؛ ودارت بها العساكر فكانت وشاحا، وأحدقت بها إحداق الأجفان بالعين إلا أنها كانت وقاحا؛ وصبرت على قطع المدد وقطع المدد حتى كادت تلقي بأيديها إلى السلم، وتسقط من الضعف لعدم القوت لا لوجود السقم؛ ثم إن طائفة منهم سلمت بالأمان، وسلمت بالإيمان؛ وطائفة أصرت على الامتناع حتى أخذت قبضا، ووفى السيف منهم فرضا؛

<<  <   >  >>