للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقمارا، وأطلعت أيامها الشموس نهارا؛ ورتعت في جنباتها الجآذر، وصرف عنها صرف الزمان ما يحاذر؛ وانبثت إماؤها في تهيئة الأهب، والاستعداد لليل وصدر النهار ما ذهب؛ وقد حصلت لقرى الضيفان الجفان، وفتكت بذوي الصبابة قبل قواتل السيوف الأجفان؛ وقد أطلت فتية الحي تشد بهم تلك السلاهب، ويتدارك بهم بقية الليل الذاهب؛ وقد قال ولدان الحي: تعالوا - إلى

أن يأتي الصيد - نحطب، ورقبوا الطارق وما نخاله إلا عنقاء مغرب؛ فإذا هم به وقد حط رحله والشمس قد انحطت للغروب، والفتية قد نزلوا من الركوب؛ فبات يعلل على نارهم، ويأخذ في التأهب للرحيل ووده لا يخرج من ديارهم؛ ثم لم يجد بدا من الانصراف، حين ألقى الليل عنه الطراف؛ هذا وخطيب الدجى لم يتمزق أهبه، ولم يشرق دواء الصباح ذهبه.

في مرج أخضر: ونزل بمرج كأنما فرش بإستبرق، وطلع الصباح في ليله المتراكم فأشرق؛ قد اتسع للرائد فيه مدى طرفه، وامتد إلى غايته أمد طرفه؛ واخضر كأنما خلع عليه العذار، وحسن كأنما قبلت به الأعذار؛ وقد نسجت ديباجته الأنواء، وقرطت زمرده الأنداء؛ كأنما عبثت بنسيمه فارات المسك فرضها، أو عرضت عليه فضة الفضاء في تلك الجوانب ففضها؛ وقد طرفه بزهر الربيع أوانه، وضلل عليه قوس السماء فنفضت عليه ألوانه، فما حل في أكنافه إلا من اذكره خضرة العيش، وثبته ومع هذا وثب به الطيش.

<<  <   >  >>