للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بيان إحالات الصيام]

وهنا ذكر أن الصيام له ثلاثة أحوال، حيث قال: (وحدثنا أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أمرهم بصيام ثلاثة أيام، ثم أنزل رمضان، وكانوا قوماً لم يتعودوا الصيام، وكان الصيام عليهم شديداً، فكان من لم يصم أطعم مسكيناً، فنزلت هذه الآية: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:١٨٥]، فكانت الرخصة للمريض والمسافر فأمروا بالصيام)].

يعني أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ثم بعد ذلك أمروا بصيام رمضان، ولكن لم يكن صيام رمضان على الإلزام؛ لأن الصيام كان عليهم شديداً، فأمروا بأن يصوموا رمضان، ومن أراد أن لا يصوم فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً، ومع ذلك رغّبوا بأن الصيام خير لهم، ثم بعد ذلك نسخ الأمر وحصل التحول إلى حال ثالث، وهو أن من شهد الشهر يتحتم عليه صيامه، وأنه لا يفطر الإنسان إلا إن كان مسافراً أو مريضاً، وبقي الإطعام في حق الشيخ الكبير ومثله المريض الذي مرضه لا يرجى برؤه، فإنه بدل الصيام يأتي بالفدية التي هي إطعام مسكين عن كل يوم.

وجاء أنه حصل للناس حال أخرى، وهي أنه إذا جاء وقت الإفطار وكان الواحد منهم لم يأكل شيئاً ثم نام فإنه لا يأكل تلك الليلة ويواصل الصيام من الغد، ثم بعد ذلك نسخ بأن من نام فإن له إذا قام من الليل أن يأكل وله أن يجامع.

قوله: [(قال: وحدثنا أصحابنا قال: وكان الرجل إذا أفطر فنام قبل أن يأكل لم يأكل حتى يصبح)].

يعني: إذا جاء وقت الإفطار ولم يأكل شيئاً ثم نام فإنه لا يأكل شيئاً بعد استيقاظه من النوم حتى يصبح، ويواصل اليوم الذي وراءه.

قوله: [(قال: فجاء عمر بن الخطاب فأراد امرأته، فقالت: إني قد نمت)].

يعني: جاء عمر إلى امرأته وأرادها، فقالت: إني قد نمت، ومعنى هذا أنه من نام ثم استيقظ فإنه لا يأكل ولا يجامع حتى يأتي الصباح ويواصل الصيام حتى يأتي الليل الآخر فيأكل قبل أن ينام.

قوله: [(فظن أنها تعتل)] يعني: ظن أنها تعتذر للتخلص، أو أنها لا تريد ذلك الشيء، فلم يطمئن إلى قولها، أو ظن أنها تريد أن تعتذر فأتاها.

قوله: [(فجاء رجل من الأنصار فأراد الطعام فقالوا: حتى نسخن لك شيئاً.

فنام)].

يعني: جاء رجل من الأنصار وقد جاء وقت الإفطار، فطلب منهم أن يقدموا له شيئاً، فقالوا: حتى نسخن.

فاضطجع وجاءه النوم، فلما استيقظ لم يتمكن من الأكل؛ لأنهم ممنوعون من أن يأكلوا إذا ناموا.

قوله: [(فلما أصبحوا أنزلت عليه هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة:١٨٧])].

يعني: لما أصبحوا أنزلت الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة:١٨٧] إلى قوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:١٨٧] أي أن من نام واستيقظ في الليل فإن له أن يأكل وله أن يجامع، ونسخ ما كانوا عليه أولاً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>