للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرح حديث: (إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن زيد عن أبي نعامة السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: ما حملكم على إلقاء نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل صلى الله عليه وسلم أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً -أو قال: أذى- وقال: إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه، وليصلِّ فيهما)].

أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وعليه نعلاه إذ خلعهما وجعلهما عن يساره، فخلع الصحابة نعالهم اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ من صلاته قال: ما حملكم على إلقاء نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعلك ففعلنا كما فعلت، فقال: إن جبريل أتاني وقال لي: إن فيهما قذراً أو أذى فخلعتهما)، فقد بين صلى الله عليه وسلم السبب في خلعهما أثناء الصلاة.

والحديث واضح الدلالة على الترجمة من جهة أنه صلى فيهما، ولأن فيهما قذراً وأذى جاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك وهو في الصلاة فخلعهما.

وفي هذا الحديث دليل على أن الإنسان إذا صلى وفي ثوبه نجاسة، وعلم بها في أثناء الصلاة؛ فإن تمكن من التخلص من ذلك الثوب الذي فيه النجاسة بدون أن تظهر عورته، وبدون أن يتكشف؛ فإنه يخلعه ويواصل الصلاة، وإن كان ذلك لا يتأتى إلا بأن يقطع الصلاة، كأن يكون ذلك اللباس لا يمكن خلعه وهو في الصلاة، أو أنه يترتب على ذلك انكشاف العورة؛ فإنه يقطع الصلاة.

وفي هذا الحديث دليل على أن الإنسان إذا صلى وعليه نجاسة ولم يعلم بها إلا بعد فراغ الصلاة فإن صلاته صحيحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستأنف الصلاة لما أُخبر بأن نعليه فيهما أذى؛ بل واصل، فهذا الذي كان قبل الإخبار اعتبر ولم يلغ، فدل هذا على أن الإنسان إذا صلى وفي ثوبه نجاسة ولم يعلم إلا بعد فراغ الصلاة فإن الصلاة صحيحة، فإذا صح بعضها ولم تُعد فكذلك لو لم يعلم إلا بعد انتهائها فإنها تكون صحيحة.

وأيضاً فيه دليل على أنه إذا تذكر في أثناء الصلاة أن في ثوبه نجاسة وأمكن إزالة ذلك الثوب كأن تكون في الغترة، أو في المشلح، أو السراويل وعليه قميص، وأمكن أن يتخلص من ذلك الذي فيه نجاسة وعورته مستورة فعل، وهذا يختلف عما لو صلى الإنسان وهو على غير وضوء، فإذا صلى وهو على غير وضوء ثم تذكر بعد ذلك فإنه يجب عليه أن يتوضأ، وأن يعيد الصلاة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).

وفيه دليل أيضاً على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب؛ لأنه لو كان يعلم الغيب لم يَخْفَ عليه ما في نعليه حتى يحتاج إلى أن ينبهه الوحي بذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على بعض الغيب، ولم يُطلعه على كل غيب، والذي يعلم كل غيب هو الله سبحانه وتعالى {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:٦٥]، فهذا الحديث مما يستدل به على أن علم الغيب من خصائص الله سبحانه وتعالى.

وقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على ما دل عليه هذ الحديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم الغيب، ومن ذلك حديث: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، أي: بعد موته صلى الله عليه وسلم، وكذلك في قصة الإفك وما حصل لـ عائشة، فقد بقي النبي صلى الله عليه وسلم أياماً كثيرة وهو متألم متأثر، وكان يأتي إليها ويقول لها: (يا عائشة! إن كنت قد ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفريه)، ثم أنزل الله براءتها بعد ذلك في آيات تتلى من كتاب الله عز وجل، وكذلك في قصة ضياع عقد عائشة، فقد كانوا في سفر، وجلسوا يبحثون عنه حتى جاء وقت الصلاة وقد نفد عليهم ماؤهم، فنزلت آية التيمم، فتيمموا وصلوا، فلما أرادوا الارتحال بعدما يئسوا من العقد أثاروا الجمل الذي كانت تركب عليه عائشة فإذا العقد تحته، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب لدلهم على مكانه، ولما مكثوا يبحثون عنه حتى نفد عليهم الماء، والأحاديث في ذلك كثيرة.

قوله: (فإن رأى في نعليه قذراً أو أذىً فليمسحه) أي: في الأرض، (وليصل فيهما)، وليس معنى هذا أن الإنسان لابد أن يصلي فيهما، فقد يصلي فيها وقد لا يصلي، ولكن إذا أراد أن يصلي بهما فليصل بهما وهو يعلم أنهما نظيفتان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>