للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رفعه رأسه من الركوع]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع.

حدثنا محمد بن عيسى حدثنا عبد الله بن نمير وأبو معاوية ووكيع ومحمد بن عبيد كلهم عن الأعمش عن عبيد بن الحسن أنه قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد).

قال أبو داود: قال سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج عن عبيد أبي الحسن: هذا الحديث ليس فيه: (بعد الركوع) قال سفيان: لقينا الشيخ عبيداً أبا الحسن بعد فلم يقل فيه: (بعد الركوع).

قال أبو داود: ورواه شعبة عن أبي عصمة عن الأعمش عن عبيد أنه قال: (بعد الركوع)].

قوله: [ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع] أي: ما هو الذكر أو الدعاء الذي يقوله إذا رفع رأسه من الركوع.

ومعلوم أن الإمام والمنفرد كل منهما يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد إلى آخر الدعاء، أو: اللهم ربنا لك الحمد، أو: اللهم ربنا ولك الحمد.

وأما المأموم فإنما يقول: (ربنا ولك الحمد) ولا يقول: (سمع الله لمن حمده)، فكل من الإمام والمنفرد يجمع بين التسميع والتحميد: (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد)، وأما المأموم فلا يجمع بينهما، وإنما يأتي بالتحميد فقط دون التسميع.

واختلف أهل العلم في التسميع للمأموم: هل يسمع كما يسمع الإمام والمنفرد أم أنه يقتصر على التحميد فقط؟ فيه قولان لأهل العلم: جمهور أهل العلم على أنه لا يقول: (سمع الله لمن حمده)، وإنما يقول: (ربنا ولك الحمد)، أو: (اللهم ربنا ولك الحمد)، ولا يجمع بين التسميع والتحميد، ويستدلون على ذلك بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)، فلو كان المأموم يقول مثلما يقول الإمام لقال: وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، كما يقول الإمام.

فلكونه صلى الله عليه وسلم بين أنه عندما يقول الإمام: (سمع الله لمن حمده) يقول المأموم: (ربنا ولك الحمد) معناه أن هذا هو الذي يقوله المأموم.

وبعض أهل العلم قال: إنه يجمع بين التسميع والتحميد، ويستدلون على ذلك بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقد كان يجمع بين التسميع والتحميد لكونه إماماً يصلي بالناس، فمادام أنه صلى الله عليه وسلم كان يسمع فالمأموم يسمع مثله.

لكن الحديث الذي فيه ما يقوله المأموم بعد قول الإمام: (سمع الله لمن حمده) -وهو: (اللهم ربنا لك الحمد) - يخرج عن هذا العموم، وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن)، ثم لما جاء في التفصيل قال: (وإذا قال: حي على الصلاة حي على الفلاح فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله)، فما قال: قولوا: حي على الصلاة حي على الفلاح، فهو إذاً مستثنى من قوله: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن)، فهذا عام يخرج منه ما دل الدليل على أنه لا يقول فيه مثل المؤذن، وكذلك هنا يخرج منه ما دل الدليل على أنه لا يقول فيه مثل الإمام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد).

فالأرجح -فيما يبدو من حيث الدليل- هو القول بأنه لا يقول: سمع الله لمن حمده، وإنما يقول: ربنا ولك الحمد.

وسمع معناها: (استجاب)، ولهذا جاء ذكر التحميد بعد ذلك، وقد جاء عن بعض السلف أنه سئل عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه، لأن بعض أهل البدع وبعض أهل الانحراف تكلموا في معاوية رضي الله عنه وأرضاه، فقيل لأحد السلف: ماذا تقول في معاوية؟ فقال: ماذا أقول في رجل صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية وراءه: ربنا ولك الحمد؟! أي: ماذا أقول في رجل هذا شأنه أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة عندما رفع من الركوع: سمع الله لمن حمده، ومعاوية وراءه يقول: ربنا ولك الحمد، وهذا فيه ثناء على معاوية رضي الله عنه وصحبته للرسول صلى الله عليه وسلم، وكونه يصلي وراءه ويحمد عندما يسمع الرسول صلى الله عليه وسلم هو يحمد.

قوله: [عن عبد الله ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد)].

هذا فيه جمع الإمام بين التسميع والتحميد، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: (سمع الله لمن حمده)، فإذا استقر قائماً معتدلاً بعد الاعتدال من الركوع قال: (ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء والأرض وملء ما شئت من شيء بعد)، وجاء في بعض الروايات: (حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد).

وقوله: [(اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض)].

معناه أنه يثني عليه كثيراً ويعظمه كثيراً ويمجده كثيراً، وقوله: [(وملء ما شئت من شيء بعد)] أي: بعد ملء السموات والأرض.

<<  <  ج:
ص:  >  >>