للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرح حديث: (أمر نبيكم أن يُسجد على سبعة، ولا يكف شعراً ولا ثوباً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: أعضاء السجود.

حدثنا مسدد وسليمان بن حرب قالا: حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت، قال حماد: أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يُسجد على سبعة، ولا يكف شعراً ولا ثوباً)].

أورد أبو داود هذا الترجمة وهي: [أعضاء السجود] أي: الأعضاء التي يسجد عليها وتتصل بالأرض من الساجد عندما يصلي، والمقصود هو بيان الأعضاء التي يكون السجود عليها، وهي سبعة كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: الوجه وفيه الجبهة والأنف، واليدان، والركبتان، وأطراف القدمين، فهذه هي السبعة الأعضاء التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يسجد عليها.

وكما أسلفت أن المساجد إنما أطلق عليها مساجد لأن حالة السجود هي الحالة التي يكون فيها التمكن من الأرض، فأكثر أجزاء وأعضاء الإنسان إنما تتصل بالأرض في حال سجوده؛ فالإنسان إذا كان قائماً لا تكون إلا رجلاه على الأرض، وإذا كان راكعاً لا تكون إلا رجلاه على الأرض، وإذا كان جالساً كانت ركبتاه وقدماه على الأرض، وأما في حال سجوده فإن أكثر الأعضاء تكون على الأرض، بل إن أشرف شيء في الإنسان وهو وجهه يعفره بالتراب؛ ذلاً وخضوعاً لله سبحانه وتعالى، ولهذا قيل لأماكن العبادة وبيوت الله: مساجد، ولم يقل: مراكع ولا مواقف ولا مجالس، فمراكع نسبة للركوع، ومواقف نسبة للوقوف، ومجالس نسبة للجلوس، وإنما قيل لها: مساجد؛ نسبة للسجود عليها.

فالمقصود بالترجمة بيان أعضاء السجود السبعة.

وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت، وقال حماد: أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم)، وهذا فيه إشكال؛ لأن الطريق واحد، فلو كان أحد الشيخين هو الذي قال: أمرت، والثاني قال: أمر نبيكم، لكان مستقيماً، كما في الحديث الذي سبق أن محمد بن رافع قال كذا، وأحمد بن صالح قال كذا، فكل واحد منهما عبر بعبارة، وأما أن يأتي الإسناد من طريق واحد ثم يقول فلان كذا وقال فلان كذا، فهذا فيه إشكال، لكن المزي يقول: في رواية أبي الطيب الأشناني عن أبي داود عن مسدد عن سفيان وحماد بن زيد، فقد يكون التعبير بأمرت لـ سفيان، لكن الرواية التي معنا ليس فيها إلا حماد بن زيد فالإشكال قائم، ولعل الأمر كما ذكر من أن هناك شخصاً آخر في درجة حماد بن زيد وهو الذي جاء عنه لفظة: (أمرت)، وأما حماد بن زيد فقال: (أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم).

والنتيجة واحدة؛ لأن قوله: (أمرت) أو: (أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم) هما بمعنى واحد.

قوله: [(أمر نبيكم أن يسجد على سبعة)] يعني: سبعة أعضاء، وهذه الأعضاء جاء بيانها في بعض الأحاديث.

قوله: [(ولا يكف شعراً ولا ثوباً) أي: أنه يجعل الشعر مسترسلاً، وكذلك لا يكف قميصه بأن يرفعه ويشمره، ولا أن يكف كميه، وإنما يترك ثيابه على ما هي عليه بالنسبة للقميص، لكن هذا لا يعني أن الإنسان إذا كان عليه إزار ورداء أنه يترك الرداء مسترسلاً؛ لأن هذا هو الذي فسر به السدل في الثياب الذي نهي عنه في الصلاة، فالإنسان إذا كان عليه رداء وكانت أطرافه متدلية فإنه إذا ركع يسقط، لكن إذا كفه وجعله على كتفه الأيسر فإن ذلك يكون أدعى إلى كونه يبقى.

فالمقصود بكف الثياب: أن الإنسان لا يشمرها، ولا يكف كميه، وكذلك لا يرفع شعره ويكفه إلى الوراء، بل ينزل ما استرسل منه يسجد معه كما يسجد هو، فهذا هو المقصود من الحديث.

وقيل: إن هذا الفعل قد يكون من فعل أهل التكبر.

وأما الشماغ فليس له حكم الشعر، فإذا نزل لا يقال: إنه يكفه؛ لأنه لا يخشى من السقوط، ولو سقط لا يؤثر، ولأن المحذور في عدم ستر العاتقين بالرداء، فلابد من ستر العاتقين أو ستر أحدهما كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي ينبغي أن يترك العمامة أو الشماغ وما إلى ذلك، ولكن لو رده ما يقال: إنه كفته؛ لأن هذه مثل: المشلح ونحوه؛ ولأن مثل هذا يشوش عليه في جذبه وتجميعه وما إلى ذلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>