للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث: (كان رسول الله إذا قرأ (ولا الضالين) قال: آمين، ورفع بها صوته)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التأمين وراء الإمام: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن سلمة عن حجر بن العنبس الحضرمي عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: ((وَلا الضَّالِّينَ)) [الفاتحة:٧] قال: آمين، ورفع بها صوته)].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [التأمين وراء الإمام].

يعني: حكم تأمين المأموم وراء الإمام أنه يؤمن ويرفع صوته بالتأمين، كما أن الإمام يرفع صوته بالتأمين، وقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الإمام يؤمن، وكذلك المأموم جاء أنه يؤمن.

وجاء في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته بالتأمين، وليس فيه شيء يتعلق بالمأموم، مع أن الترجمة هي للتأمين وراء الإمام، ولكن وجه إيراده في هذه الترجمة: أن المأموم مطلوب منه أن يتابع الإمام، وأن يفعل مثل ما يفعل الإمام، ولا يخالفه إلا فيما استثني، مثل: سمع الله لمن حمده، فإنه لا يقولها المأموم وإنما يقولها الإمام وحده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده؛ فقولوا: ربنا ولك الحمد) لم يقل: فقولوا: سمع الله لمن حمده، فإن هذا مستثنى من متابعة الإمام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي).

إذاً: فالإمام يؤمن ويرفع صوته، والمأموم كذلك يؤمن ويرفع صوته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ولا يستثنى من ذلك إلا ما جاء دليل يدل على اختصاصه بالإمام، والذي جاء هو سمع الله لمن حمده، فإنه يقولها الإمام ولا يقولها المأموم، والإمام يجمع بين التسميع والتحميد، والمأموم يحصل منه التحميد دون التسميع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد).

إذاً: وجه الاستدلال بهذا الحديث على الترجمة: [التأمين وراء الإمام] أي: تأمين المأموم وراء الإمام مأخوذ من جهة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) والإمام يقول: آمين ويرفع بها صوته، فكذلك المأموم يقول: آمين ويرفع بها صوته، استناداً إلى أن الإمام يقتدى به وأنه يتبع، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وستأتي أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها أمر المأمومين بأن يؤمنوا تبعاً للإمام، وأنه إذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٧] فليقل المأموم: آمين، يعني: يؤمن وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمن الإمام فأمنوا) ولكن هذا الحديث ليس فيه تنصيص على تأمين المأموم، ولكن وجه الاستدلال به على تأمين المأموم من جهة أن المأموم مأمور بأن يقتدي بالإمام ولا يخالفه إلا فيما استثني، ولم يستثن ذلك، بل جاء في السنة ما يدل على أمر المأموم بأن يؤمن إذا أمن الإمام.

أورد أبو داود حديث وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: ((وَلا الضَّالِّينَ)) قال: آمين ورفع بها صوته).

قوله: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم)] (كان) تدل على الدوام والاستمرار، يعني: هذا شأنه دائماً، ولكن قد تأتي (كان) أحياناً ولا يراد بها الاستمرار، ولكن يراد بها المرة الواحدة، ومن ذلك حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) فإن قولها: (ولحله قبل أن يطوف بالبيت) إنما حصل مرة واحدة في حجة الوداع.

على أن (كان).

<<  <  ج:
ص:  >  >>