للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث النهي عن الاتكاء على اليسرى في التشهد]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي ح وحدثنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب -وهذا لفظه- جميعاً عن هشام بن سعد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً يتكئ على يده اليسرى وهو قاعد في الصلاة، وقال هارون بن زيد: ساقطاً على شقه الأيسر، ثم اتفقا فقال له: لا تجلس هكذا، فإن هكذا يجلس الذين يعذبون].

أورد أبو داود هذا الحديث تحت ترجمة: [كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة]، والمقصود من ذلك: الاعتماد عليها في حال الجلوس بين السجدتين أو في التشهد، ذلك أن الوضع الذي يجب أن تكون عليه اليدان أن تكون على الفخذين، وقد ذكر المصنف أحاديث عديدة في الباب أولها رواية الإمام أحمد وثلاثة من شيوخ أبي داود ذكروا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاعتماد على اليد في الصلاة، وقال الإمام أحمد في حال الجلوس، وهذه الرواية عن ابن عمر تطابق رواية الإمام أحمد والتي تتعلق بحال الجلوس في التشهد، وهي المناسبة للترجمة المذكورة هنا بعد أبواب التشهد وما يتعلق بالتشهد، أي: أن اليدين في التشهد تكونان على الفخذين.

هذه الرواية فيها ذكر اليد اليسرى، وأن ابن عمر رأى رجلاً يصلي وقد اعتمد على يده اليسرى في صلاته في حال جلوسه، فقال: [لا تفعل هكذا، فإن هكذا يجلس الذين يعذبون] وهو مماثل لما جاء في الرواية السابقة من أنها قعدة المغضوب عليهم.

فهذا الحديث يدل على ما دلت عليه الأحاديث السابقة من أن الإنسان لا يعتمد على يديه في صلاته وهو جالس، وإنما يجعل يديه على فخذيه، اليسرى مبسوطة على الفخذ اليسرى، واليمنى قد قبض أصابعها وأشار بإصبعه السبابة يدعو بها.

[عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً يتكئ على يده اليسرى وهو قاعد في الصلاة، وقال هارون بن زيد: ساقطاً على شقه الأيسر] ساق أبو داود الحديث على رواية الشيخ الثاني محمد بن سلمة، ولكنه أشار إلى رواية هارون بن زيد وأنها بلفظ: [ساقطاً على شقه الأيسر] أي: أنه مائل على شقه الأيسر معتمداً على يده.

قوله: [لا تجلس هكذا؛ فإن هكذا يجلس الذين يعذبون] هذه تماثل الرواية السابقة أن هذه صلاة المغضوب عليهم، وكلام ابن عمر، هذا لا يقال من قبل الرأي؛ لأن الصحابي إذا تكلم بشيء فيه وعيد وتحديد عقوبة أو ثواب أو ما إلى ذلك، فهذا لا يقال من قبل الرأي، فيكون له حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأمور المغيبة لا يعلمها إلا الله عز وجل فلا تعلم لنا إلا عن طريق الوحي الذي يوحيه الله إلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، فإذا جاء عن الصحابي شيء مثل هذا فله حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك الشيء الذي فيه إبطال عمل، أو تحديد جزاء معين ومحدد؛ فإن هذا لا يقال من قبل الرأي، فإذا جاء عن الصحابي فيحمل على أنه أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>