للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث أبي هريرة في فضل يوم الجمعة وليلتها]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تفريع أبواب الجمعة: باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة.

حدثنا القعنبي عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله حاجة إلا أعطاه إياها.

قال كعب: ذلك في كل سنة يوم؟ فقلت: بل في كل جمعة، قال: فقرأ كعب التوراة فقال: صدق النبي الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو هريرة: ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب، فقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: قد علمت أية ساعة هي؟ قال أبو هريرة: فقلت له: فأخبرني بها، فقال: عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة من يوم الجمعة، فقلت: كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي، وتلك الساعة لا يصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جلس مجلساً ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي؟ قال: فقلت: بلى.

قال: هو ذاك)].

أورد أبو داود رحمه الله عدة أبواب تتعلق بتفريع أبواب الجمعة، وقد أورد في الباب الأول ما يتعلق بفضل يوم الجمعة وليلة الجمعة.

يوم الجمعة هو خير أيام الأسبوع، وهو أفضل أيام الأسبوع، وهو يوم عيد أسبوعي للمسلمين، وقد جاء في صحيح البخاري عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: أنه خطب الناس يوم عيد أضحى وكان يوم الجمعة فقال: إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، يعني: عيد الأسبوع وعيد السنة، فأطلق العيد على الجمعة، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن صومه منفرداً، فقد دخل على جويرية أم المؤمنين وهي صائمة يوم الجمعة فقال لها: (أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري).

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث تدل على فضله منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [(خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة)] أي: فهو خير أيام الأسبوع وأفضلها.

ثم ذكر جملة من الأمور التي حصلت فيه فقال: [(فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة)] فهذه خمسة أمور ذكرها، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يقرأ في فجر الجمعة (آلم) السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ} [الإنسان:١]؛ لأنهما مشتملتان على البعث والنشور وعلى نهاية الدنيا، فيكون في ذلك تذكير للناس بالأمور التي تحصل في ذلك اليوم.

ولا يقال: إن الساعة ستقوم في يوم آخر، فمنذ ثلاثين سنة أو نحوها جاءت الأخبار في الإذاعات والصحف عن امرأة رأت رؤيا أن الساعة ستقوم يوم الأحد، وخاف الناس في أماكن متعددة من ذلك، ولكن من يعرف الحكم الشرعي، ويعرف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف أن هذا لا حقيقة له ولا أصل؛ لأن الساعة لا تقوم إلا يوم الجمعة.

قوله: [(وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة)].

أي: مصغية تخشى أن تقوم الساعة، فقد ألهمها الله عز وجل ذلك، ولا يحصل ذلك للجن والإنس؛ لأنهم مكلفون وشاء الله عز وجل أن يحصل للبهائم ما لا يحصل لهم، ولهذا جاء في بعض الأحاديث: أن عذاب القبر تسمعه البهائم؛ حتى تظهر حكمة التشريع وحكمة الإيمان بالغيب؛ لأنه لو ظهر الغيب للناس علانية لم يتميز أولياء الله من أعدائه الله، ومن يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن به.

ثم هذا الحديث يدلنا على أن الساعة تقوم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؛ لأنه قال: [(من حين تصبح إلى أن تطلع الشمس)].

قوله: [(وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله حاجة إلا أعطاه إياها)].

أي: أن من فضائل يوم الجمعة وخصائصه: أن فيه ساعة للإجابة لا يوافقها عبد يسأل الله شيئاً إلا أعطاه الله حاجته.

قوله: [(قال كعب: ذلك في كل سنة يوم) فقال أبو هريرة: [(بل في كل جمعة)].

أي: هذه الساعة تكون في كل أسبوع لا أنها مرة في السنة.

فنظر كعب في التوراة فوجد أنها تكون في كل جمعة، وأن ذلك مثلما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [(صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم)].

وقد يقال: كيف يكون هذا الأمر من كعب، حيث أنه لم يقل: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد الرجوع إلى التوراة؟

و

الجواب

أنه فهم من الحديث أنه يوم في السنة، فراجعه أبو هريرة، فراجع التوراة فوجدها مطابقة لفهم أبي هريرة، فقال: [(صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم)].

قوله: [(قال أبو هريرة: ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب، فقال عبد الله بن سلام: قد علمت أية ساعة هي؟ قال أبو هريرة: فقلت له: فأخبرني بها؟ فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة من يوم الجمعة، فقلت: كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي، وتلك الساعة لا يصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جلس مجلساً ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي؟ قال: فقلت: بلى، قال: هو ذاك)].

ثم إن أبا هريرة رضي الله عنه لقي عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وكان من اليهود ثم مَنَّ الله عليه بالإسلام وحسن إسلامه رضي الله عنه وأرضاه، فأخبره أبو هريرة بالذي جرى بينه وبين كعب فقال: [(قد علمت أية ساعة هي؟)] أي: إني أعرف وقتها، ثم ذكرها أنها آخر ساعة من يوم الجمعة.

فعندما قال عبد الله بن سلام لـ أبي هريرة: [(هي آخر ساعة من يوم الجمعة)] قال: كيف تكون آخر ساعة يوم الجمعة والرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا يوافقها عبد يصلي يسأل الله، وهذا ليس وقتاً للصلاة؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)، فكيف يصلي الإنسان ذلك الوقت؟ فقال: [(ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جلس مجلساً ينتظر الصلاة فهو في صلاة)] ومعناه: أن الذي ينتظر الصلاة هو مصل حكماً وإن لم يكن يصلي فعلاً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>