للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث علي في فضل الجمعة]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني عطاء الخراساني عن مولى امرأته أم عثمان قال: سمعت علياً رضي الله عنه على منبر الكوفة يقول: (إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق، فيرمون الناس بالترابيث -أو الربائث- ويثبطونهم عن الجمعة، وتغدو الملائكة فيجلسون على أبواب المسجد، فيكتبون الرجل من ساعة، والرجل من ساعتين، حتى يخرج الإمام، فإذا جلس الرجل مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فأنصت ولم يلغ كان له كفلان من أجر، فإن نأى وجلس حيث لا يسمع فأنصت ولم يلغ كان له كفل من أجر، وإن جلس مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فلغا ولم ينصت كان له كفل من وزر، ومن قال يوم الجمعة لصاحبه: صه فقد لغا، ومن لغا فليس له في جمعته تلك شيء، ثم يقول في آخر ذلك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك).

قال أبو داود رواه الوليد بن مسلم عن ابن جابر، قال: بالربائث، وقال: مولى امرأته أم عثمان بن عطاء].

أورد أبو داود رحمه الله حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه خطب الناس على منبر الكوفة وقال: (إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق، فيرمون الناس الترابيث أو بالربائث)، شك الراوي، قيل: المقصود أنهم يثبطونهم، ويلقون في أنفسهم التباطؤ والكسل عن الذهاب إلى الجمعة، ويحثونهم على الاستمرار فيما هم فيه من الاشتغال بالبيع والشراء، وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أحب البقاع إلى الله مساجدها، وأبغض البقاع إلى الله أسواقها) فالأسواق هي محل اللغط ومحل حضور الشياطين، وهذا الحديث يفيد أنهم يخرجون بالرايات إلى الأسواق لتثبيط الناس، ولمنعهم من أن يستعدوا للصلاة، ويريدون منهم أن يبقوا فيما هم فيه من العمل الدنيوي، وأن يفرطوا ويقصروا في هذا العمل الأخروي من الذهاب والتبكير إلى الجمعة.

قوله: [(وتغدو الملائكة فيجلسون على أبواب المسجد، فيكتبون الرجل من ساعة، والرجل من ساعتين، حتى يخرج الإمام) يعني: يكتبون من يأتي ووقت مجيئه، فيكتبون الرجل الذي جاء قبل ساعة، والذي جاء قبل ساعتين، والذي جاء قبل أكثر أو أقل حتى يخرج الإمام.

قوله: [(فإذا جلس الرجل مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فأنصت ولم يلغ؛ كان له كفلان من أجر)] فإذا جلس مجلساً في المسجد، بأن جاء مبكراً، وكان قريباً من الإمام، وصار يسمع ويرى الإمام، واستمع وأنصت؛ فإنه يكتب له نصيبان من الأجر، وإن كان في مكان نائي، وجلس بحيث لا يسمع فأنصت ولم يلغ كان له كفل من أجر يعني: نصيب من أجل إنصاته وعدم اشتغاله بشيء يشغل عن انتظار الصلاة.

قوله: [(ومن جلس مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فلغا ولم ينصت كان له كفل من الوزر)] يعني: عليه إثم؛ لأنه تمكن من الاستماع ومع ذلك لم يستمع وحصل منه اللغو.

قوله: [(ومن قال يوم الجمعة لصاحبه: صه فقد لغا)] صه يعني: اسكت، وهذا معناه: أنه إذا أمر بمعروف فإنه يعتبر لغواً، فغيره من باب أولى، والمطلوب عدم حصول أي شيء يشغل عن الإقبال على الخطبة والاستماع والإنصات لها.

قوله: [(ومن لغا فليس له في جمعته تلك شيء)] أي: تلك التي لغا فيها.

قوله: [ثم يقول في آخر ذلك سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول ذلك] يعني: هذا الكلام الذي قاله على المنبر، فهذا الحديث يعتبر مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن في إسناده من لا يحتج به، فهو حديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (فليس له في جمعته تلك شيء) لا يعني أن جمعته باطلة، وأنه يعيد صلاة ظهر، ولكنه لا يحصل له أجر الجمعة، وقد برئت ذمته، وأدى الصلاة، ولكنه ما حصل أجرها، مثل الأحاديث التي فيها لا يقبل الله صلاة كذا، فالمعنى برئت ذمته، ولكنه ما حصل على الأجر، مثل الحديث الذي فيه: (من أتى كاهناً فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) فالمعنى أنه حرم أجر هذه الصلوات مع أنه أداها، ولا يقال: يعيدها ويقضيها، وهذا من جنسه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>