للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (احضروا الذكر وادنوا من الإمام)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الدنو من الإمام عند الموعظة.

حدثنا علي بن عبد الله حدثنا معاذ بن هشام قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده ولم أسمعه منه: قال قتادة: عن يحيى بن مالك عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (احضروا الذكر، وادنوا من الإمام؛ فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها)].

أورد أبو داود رحمة الله عليه [باب: الدنو من الإمام عند الموعظة] أي: عند الخطبة، والمقصود من ذلك أن الإنسان يبكر إلى الجمعة، ويكون قريباً من الإمام حتى يسمع الخطبة، وحتى تكون واضحة عنده، ولا يفوته منها شيء، وقد ورد في هذا أحاديث، منها هذا الحديث الذي أورده أبو داود، وهو حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(احضروا الذكر، وادنوا من الإمام؛ فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها)] فقوله: [احضروا الذكر] يعني الخطبة [وادنوا من الإمام] يعني: حتى تتمكنوا من السماع، وحتى تستوعبوا ما يقوله في خطبته وفي موعظته، ولا تتباعدوا منه فتتعمدون أن تختاروا مكاناً بعيداً منه؛ لأن هذا يفوت عليكم تحصيل الصفوف الأولى التي فيها الأجر العظيم، والثواب الجزيل، وأيضاً يفوت عليكم سماع الخطبة أو فوات شيء منها عندما لا يقرب أحدكم من الإمام، وقد جاء ذكر الدنو في الحديث الذي فيه قوله: (ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام)، ومر بنا الحديث الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)، وهنا في هذا الحديث قال: [(فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها)] يعني: يؤخر في الدخول فلا يستفيد منها كما استفاد منها الذين دخلوها من أول وهلة، أو أنه يؤخر فيها في الدرجات فيكون متأخراً في درجات الجنة، والمقصود من ذلك أن التباعد عن الإمام، وعدم الإتيان إلى الصفوف الأول، وعدم القرب من الإمام وسماع الخطبة يفوت هذه الأمور، ويكون ذلك من أسباب التأخير، إما التأخير عن دخول الجنة وأنه لا يدخلها مع أول من يدخلها، وقد جاء في الحديث: (إن أهل الجنة إذا تجاوزوا النار ومروا على الصراط فإنهم يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار، ويقتص من بعضهم لبعض) وهذا الاقتصاص نتيجته التفاوت في الدرجات في الجنة؛ لأن المظلوم يأخذ من حسنات من ظلمه، ويكون ذلك رفعة له، وذلك الظالم يكون الأخذ نقصاً في حقه، وقلة في درجاته، فليس هناك إلا الحسنات؛ لأن الحقوق التي تكون بين الناس التقاصص فيها إنما هو بالحسنات كما جاء في الحديث: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: يا رسول الله! المفلس فينا من لا درهم عنده ولا متاع) فلما سئلوا هذا السؤال تبادر إلى ذهنهم مفلس الدنيا، وهو الذي ليس عنده درهم ولا متاع، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يريد المفلس حقاً وهو مفلس الآخرة، فقال: (بل هو الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار).

<<  <  ج:
ص:  >  >>