للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صلاة العيدين.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حميد عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر)].

أورد أبو داود رحمه الله: [باب صلاة العيدين] والعيدان: هما عيدا المسلمين عيد الأضحى وعيد الفطر، وكل منهما يأتي في موسم عظيم، فعيد الفطر يأتي بعد إكمال صيام شهر رمضان، ويسمى عيد الفطر؛ لأن سببه الفطر من رمضان وإكمال شهر رمضان، ويؤتى به شكراً لله عز وجل على نعمة إكمال الصيام، ولهذا قيل له: عيد الفطر من رمضان، وكون الإنسان أكمل شهر رمضان وأتمه نعمة عظيمة، ويشكر الله عز وجل عليها بأمور، منها: أنه يخرج زكاة الفطر، ولهذا قيل لها: (زكاة الفطر) وهي شكر لله عز وجل على إتمام هذه النعمة التي هي إكمال الصيام، ولهذا جاء في الحديث: (للصائم فرحتان يفرحهما: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه) ومعنى قوله: (عند فطره) أنه أتم هذا العمل الصالح، وأتم هذا الصيام، فيفرح لأنه أتم الصيام، وليس المقصود أنه يفرح بالأكل والشرب، وإنما يفرح بإكمال العمل الصالح وكونه وفق لإتمام العمل الصالح، فإذا أكمل شهر رمضان يحصل الفرح الأكبر لكونه أتم الشهر كاملاً، وهو كل يوم عندما يفطر يفرح لأنه أكمل هذه العبادة، وإذا أكمل ثلاثين يوماً أو تسعة وعشرين يوماً فإنه يفرح لأنه أدى هذه العبادة وأفطر منها بعد إتمامها، ولهذا وجب إفطار يوم العيد وحرم صيامه، ولا يجوز صيامه بحال من الأحوال، بخلاف أيام التشريق فإنه رخص لمن لم يجد الهدي أن يصومه، لكن يوم العيد ليس لأحد أن يصومه، سواء عيد الفطر أو عيد الأضحى، فيجب إفطارهما، وعيد الفطر نسب إلى الفطر لأنه شكر لله عز وجل على تلك النعمة، وهو ليس في الشهر، ولكنه خارج الشهر، وقد جاء في الحديث: (شهرا عيد لا ينقصان) سميا شهرا عيد مع كون العيد ليس فيه؛ لأنه متصل به وقريب منه، وإن لم يكن منه؛ لأن العيد في أول يوم من شوال، فأضيف إليه لأنه سببه الشهر ولأنه متصل به، وقد يضاف الشيء إلى ما يقاربه، كما قيل لصلاة المغرب: (وتر النهار) مع أنها ليست من النهار، وإنما هي في أول الليل، ولكنها قريبة من النهار ومتصلة بالنهار، فقيل لها: وتر النهار.

وعيد الأضحى يأتي في موسم ذبح الهدي بالنسبة للحجاج، وذبح الأضاحي بالنسبة للحجاج وغير الحجاج؛ لأن المسلمين يضحون في كل مكان، فنسب العيد إلى الأضحى؛ لأن الناس يضحون فيه، ويتقربون فيه بالقرابين لله سبحانه وتعالى، فهما عيدان اثنان للمسلمين أنعم الله عز وجل بهما على المسلمين، وشرعهما للمسلمين.

وأورد أبو داود رحمه الله حديث أنس رضي الله عنه [(أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ فقالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر)] فهذان عيدا المسلمين، والأعياد التي كانت في الجاهلية قضى عليها الإسلام وأبطلها، ولم يأت في الشرع إلا عيد الأضحى وعيد الفطر.

وقوله صلى الله عليه وسلم: [(أبدلكم الله بهما خيراً منهما)] هو لأجل أن هذين اليومين يفرح فيهما في الإسلام بسبب العبادة والتقرب إلى الله عز وجل، فاليوم الذي أدى الناس فيه العبادة وأكملوها يفرحون فيه لكونهم أتموا العبادة التي شرعها الله، فيوم العيد هو يوم شكر لله عز وجل على إتمام تلك النعمة، فشرعت صلاة العيد وشرعت زكاة الفطر، وأضيف العيد إلى الفطر لأن سببه الفطر، فصار المسلمون يفرحون في هذين اليومين بالعبادة، وهو يوم فرح للأطفال الصغار، ولذا يمكنون من اللعب في يومي العيد، وأما الكبار فليسوا أهلاً للعب، وإنما هم أهل للجد والعبادة والإقبال على الله عز وجل والاشتغال بالطاعة، والفرح بإكمال النعمة التي هي نعمة إتمام الصيام، وكذلك التقرب إلى الله عز وجل بذبح الأضاحي.

وقوله: [(أبدلكم بهما)] الباء تدخل على المتروك؛ لأن هناك شيئاً مأخوذاً وشيئاً متروكاً، والمتروك هما اليومان اللذان كانا في الجاهلية، فقوله: [أبدلكم بهما] أي: بيومي الجاهلية، فالباء تدخل على المتروك، كقول الله عز وجل: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة:٦١] فالذي هو خير هو المتروك، فبنو إسرائيل أخذوا ما هو أقل منه وما هو دونه، فالقاعدة أن الباء تدخل على المتروك.

وقوله: [(أبدلكم بهما خيراً منهما)] يعني: في الإسلام، وهما يوما فرح بالعبادة وبالقربى وإكمال العمل الصالح.

وهذان العيدان هما المشروعان في الإسلام، والأعياد الأخرى محدثة، لكن الجمعة جاء في الشرع ما يدل على تسميتها عيداً، ولكنها عيد أسبوعي؛ لأنها تتكرر كل أسبوع، وقد مر الحديث الذي فيه اجتماع العيدين، أي: اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد، وكذلك الأثر الذي في صحيح البخاري عن عثمان رضي الله عنه أنه خطب الناس يوم عيد الأضحى فقال: (إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان).

<<  <  ج:
ص:  >  >>