للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني حدثنا عيسى -يعني ابن يونس - حدثنا جعفر -يعني ابن ميمون صاحب الأنماط- حدثني أبو عثمان عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً)].

قوله: [(يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً)] يعني: خاليتين.

ومعنى الحديث أنه يجيب دعاءه، وهذا يدل على مشروعية رفع اليدين، ولكن على التفصيل الذي ذكرت فيما مضى، فالموطن الذي ورد أنه ترفع فيه الأيدي فإنها ترفع فيه، مثل رفع الأيدي عند الجمرة الأولى والثانية، وعلى الصفا والمروة وغيرها من الأماكن والمواضع التي ورد فيها رفع الأيدي عند الدعاء، وهناك مواضع لا ترفع فيها الأيدي، مثل خطبة الجمعة، فالإمام والمأمومون لا يرفعون أيديهم فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم على كثرة خطبه بالناس كان لا يرفع يديه، وكذلك الصحابة كانوا لا يرفعون أيديهم، وما جاء ذلك إلا في الاستسقاء في الجمعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الاستسقاء لما طلب منه أن يستسقي.

وأما أدبار الصلوات فلم يعهد ولم يرو عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يرفع يديه بعد الصلوات المفروضة.

أما ما كان مسكوتاً عنه ولم يرد فيه فعل ولا منع فهو مطلق والأمر فيه واسع، فللداعي أن يرفع وله أن يترك.

قوله: [(حيي كريم)] فيه إثبات صفة الحياء والكرم لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله عز وجل.

قوله: [(يستحي من عبده)].

هذه صفة مأخوذة من حيي؛ لأن أسماء الله كلها مشتقة ليس فيها اسم جامد، وما ذكر أن من أسماء الله الدهر فذلك غير صحيح، واستند القائلون به على قوله: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر)، فقوله: (وأنا الدهر) ليس معناه أن الدهر من أسماء الله، وإنما معناه أن من سب الدهر فقد سبني؛ لأن الدهر هو الزمان، والله تعالى هو الذي يقلب هذا الزمان وهذا المُقلَّب ليس فاعلاً وليس عنده إرادة ولا عنده مشيئة، فترجع سبته إلى المقلب.

إذاً: فأسماء الله كلها مشتقة ليس فيها اسم جامد، وأسماء الله تدل على صفاته؛ لأن كل اسم يشتق منه صفة، ولكن ليس كل صفة يشتق منها اسم، لا يؤخذ من الصفات أسماء ولكن يؤخذ من الأسماء صفات، فهناك صفات ذاتية كاليد وكالوجه لا يؤخذ منها أسماء، وهناك صفات مثل الاستهزاء والخداع والمكر وما إلى ذلك لا يؤخذ منها أسماء، فلا يقال: من أسماء الله المخادع ولا الماكر ولا المستهزئ، لكن يوصف بذلك على وجه المقابلة والمشاكلة، أما الأسماء فيؤخذ منها صفات، وكلمة [يستحي] مأخوذة من حيي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>