للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث: (أن امرأة قالت للنبي: صل علي وعلى زوجي)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

حدثنا محمد بن عيسى حدثنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: صل علي وعلى زوجي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: صلى الله عليك وعلى زوجك)].

أورد أبو داود رحمه الله: [باب: الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم].

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي من أفضل القربات والطاعات؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ساق الله تعالى على يديه إلى المسلمين أعظم وأجل نعمة وهي نعمة الإسلام، التي فيها الهداية إلى الصراط المستقيم، والخروج من الظلمات إلى النور، فكان من حقه على أمته أن يصلوا عليه صلى الله عليه وسلم، وأن يكثروا من الصلاة والسلام عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وأما غيره فيصلى عليه تبعاً، كأن يقال: صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

هذا تبع، فيصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم تبعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، لما جاء: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد).

وأما أن يصلي المسلم على غيره على سبيل الاستقلال والانفراد فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث الذي أورده أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما [(أن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: صل علي وعلى زوجي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صلى الله عليك وعلى زوجك)] فهذا دعاء مستقل على غير النبي صلى الله عليه وسلم، وكما جاء في آل أبي أوفى في الصدقة، قال: (اللهم صل على آل أبي أوفى)، فهذه صلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من النبي صلى الله عليه وسلم.

لكن هل يصلي أحد على غير النبي صلى الله عليه وسلم استقلالاً؟ المعروف من طريقة السلف أنه يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم استقلالاً وغيره تبعاً له، ويترضى عن الصحابة، ويترحم على من بعدهم، هذه الطريقة المتبعة، وقد يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يترحم ويترضى على غير الصحابة، ولكن التبعية هي الأغلب في الاستعمال.

وقد جاءت الأحاديث الكثيرة الدالة على أنه يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع منها: عند دخول المسجد والخروج منه، وعند الأذان وبعده، وغير ذلك من المواضع التي جاء التخصيص فيها على أنه يصلى عليه صلى الله عليه وسلم، وكذلك عند ذكره يصلى عليه صلى الله عليه وسلم بالصيغة التي درج عليها السلف وهي: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام، هاتان هما العبارتان المختصرتان اللتان درج عليهما السلف، ولاسيما المحدثون كما نجد في الأحاديث عندما تنتهي بالرسول عليه الصلاة والسلام يقول الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا إلى آخره.

ويجوز أن يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم استقلالاً إذا لم يكثر، كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في أدب المشي إلى الصلاة: وتجوز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يكثر ولم يتخذ شعاراً لبعض الناس، أو يقصد بها بعض الصحابة دون بعض.

ولهذا يأتي في بعض الكتب إذا جاء ذكر علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أو الحسن والحسين، أو فاطمة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، يأتي قولهم: عليه السلام، أو عليها السلام، هكذا.

وقد ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦] أنه يأتي في بعض الكتب: عليه السلام عندما يأتي ذكر علي أو ذكر فاطمة أو الحسن والحسين، قال: وهذا إنما هو من عمل نساخ الكتب.

يعني: عندما يأتي إلى الكتاب لينسخه فإنه إذا مر ذكر علي كتب بعد علي: عليه السلام.

قال: وهذا لا يصلح أن يطلق على أحد بعينه وأن يخص به أحد بعينه، وإنما الذي يناسب أن يترضى عن الصحابة جميعاً، وهو الذي درج عليه سلف هذه الأمة في حق الصحابة، وفي مقدمتهم أبي بكر وعمر، وعثمان وعلي رضي الله تعالى عن الجميع.

إذاً: هذا الذي يوجد في بعض الكتب ليس من عمل المؤلفين وإنما هو من عمل نساخ الكتب كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره عند تفسير هذه الآية الكريمة من سورة الأحزاب.

أما معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسن ما فسرت به الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أنها الثناء عليه عند الملائكة، فإذا قال الإنسان: اللهم صل على محمد، فهو يسأل الله أن يثني عليه، وأن يشيد به، وأن يعلي منزلته، وأن يذكره عند الملائكة، فهذا هو أحسن ما قيل في معنى الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك أيضاً في حق الصلاة على غيره تبعاً له أو استقلالاً أن الله تعالى يثني عليه عند الملائكة، وقد جاء في الحديث: (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي).

<<  <  ج:
ص:  >  >>