للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان)]

[قال أبو داود: وقرأت في كتاب عبد الله بن سالم بحمص عند آل عمرو بن الحارث الحمصي عن الزبيدي قال: وأخبرني يحيى بن جابر عن جبير بن نفير عن عبد الله بن معاوية الغاضري رضي الله عنه من غاضرة قيس قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، رافدة عليه كل عام، ولا يعطي الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره)].

قوله: (ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان) هذا إجمال من أجل الاهتمام والعناية والتشويق لما سيذكر بعد ذلك، مثل قوله: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان) ثم يأتي التفسير، وهنا قال: (ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان) ثم يأتي التفسير، وهذا فيه حث على الاهتمام بما سيأتي، وأيضاً ذكر العدد يجعل الإنسان يضبط العدد، ولو نسى شيئاً فإنه سيعلم أنه حصل نقص؛ لأنه لابد أن يطابق العدد المعدود، فإذا ذكر العدد أولاً فإنه يجعل الإنسان يطالب نفسه بالمعدود حتى يطابق العدد، فهذا من فوائد تقديم العدد.

قوله: [(من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله)] هذه الخصلة الأولى من الثلاث، وهي إخلاص العبادة لله عز وجل، وهذا هو الأساس؛ لأن إفراد الله بالعبادة أساس كل عمل، وكل عمل من الأعمال لا يقبل إلا إذا كان خالصاً لوجه الله عز وجل وحده لا شريك له.

ولا إله إلا الله هي كلمة الإخلاص والتوحيد، ومعناها: لا معبود بحق إلا الله، فهي مشتملة على نفي وإثبات، نفي عام في أولها، وإثبات خاص في آخرها، النفي العام الذي في أولها هو نفي العبادة عن كل ما سوى الله، والإثبات الخاص الذي في آخرها هو إثبات العبادة لله وحده لا شريك له.

قوله: [(وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه)].

هذه الخصلة الثانية، وهي محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة، أي: أنه يخرج الزكاة عن طيب نفس، فلا يخرجها عن كراهية وعدم رضا وعدم ارتياح؛ لأن هذا حكم الله، وهذا حق أوجبه الله عز وجل في أموال الأغنياء للفقراء شكراً لله عز وجل على هذه النعمة، والزكاة من أسباب نماء المال وأسباب كثرته كما جاء في الحديث: (ما نقص مال من صدقة، بل تزده بل تزده).

قوله: [(رافدة عليه كل عام)] الرفد هو الزيادة، فالمعنى أنها زيادة ونماء في ماله.

قوله: [(ولا يعطي الهرمة ولا الدرنة)].

يحتمل أن يكون قوله: (من عبد الله وحده، وأنه لا إله إلا هو) اثنتين، ثم الثالثة ما يتعلق بالزكاة، ويحتمل أن يكون خصلة واحدة، وإعطاء الزكاة طيبة بها نفسه هي الخصلة الثانية، وكونه لا يعمد إلى شيء فيه عيب وفيه نقص فيخرجه الخصلة الثالثة.

والهرمة هي: الكبيرة التي طعنت في السن وبلغت سن الهرم، والدرنة هي التي فيها الجرب، وتسمى الجرباء.

قوله: [(ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة)].

المرض نقص فيها، وقد يؤدي إلى هلاكها، أو يكون النقص الذي يحصل لها بسبب المرض شديداً، والشرط اللئيمة هي أرذل المال ورديئه.

قوله: [(ولكن من وسط أموالكم)] يعني: أن الذي يخرج من الوسط، لا من الخيار ولا من الشرار، وإنما من وسط المال، وقد تقدم في كلام الزهري أن المال يقسم أثلاثاً: ثلثاً خياراً، وثلثاً شراراً، وثلثاً وسطاً، والزكاة تؤخذ من الوسط، فهذا الحديث يدل على أن كلام الزهري صحيح، وأنه دل عليه الدليل.

قوله: [(فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره)].

خيره هو خيار المال، وشره هو شرار المال، والشارع إنما طلب الوسط.

<<  <  ج:
ص:  >  >>