للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث: (لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في تقبيل الحجر.

حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عابس بن ربيعة عن عمر رضي الله عنه: (أنه جاء إلى الحجر فقبله، فقال: إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقبلك ما قبلتك)].

قوله: [باب: في تقبيل الحجر].

الحجر: هو الحجر الأسود الذي هو في زاوية من زوايا الكعبة، وهي الزاوية التي عندها باب الكعبة، فالترجمة تتعلق بتقبيله، وكذلك استلامه وتقبيل ما يستلم به، والإشارة إليه عند عدم تمكن الوصول إليه، فإذا لم يتمكن من الوصول إليه فلا يؤذي أحداً في الوصول إليه، بل يكفي أن يشير إليه فقط، وإن تمكن من أن يمد يده ويلمسه ويمسحه بيده يقبل يده أو يقبل الذي مسحه به، وإذا لم يمكن لا هذا ولا هذا فإنه إذا حاذاه يشير إليه ويكبر، فهذه أمور ثلاثة تتعلق بالحجر الأسود.

قوله: [(عن عمر رضي الله عنه: (أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال: إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك)]، هذا يدلنا على أن المعتبر أو المعول عليه في تقبيله هو اتباع النبي عليه الصلاة والسلام، ولولم يقبله صلى الله عليه وسلم لما قبله عمر رضي الله عنه، وهو إنما قبله اتباعاً للنبي عليه الصلاة والسلام، وليس تقبيله من أجل تحصيل البركة منه، أو من أجل كون الإنسان يريد منه نفعاً أو ضراً، فالأمر كما قال عمر رضي الله عنه: [(إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك)].

إذاً: تقبيل الحجر الأسود إنما هو اتباع للسنة، وامتثال لما جاء عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، واقتداء به عليه الصلاة والسلام، فما دام أنه قد قبل الحجر فنحن نقبله؛ ولهذا فإن بقية الأركان وبقية الجدران لا تقبل ولا تمسح إلا الركن اليماني فإنه يمسح ولا يقبل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسحه واستلمه ولم يقبله، وكذلك لا يشار إليه؛ لأن التقبيل والمسح والإشارة تتعلق بالحجر الأسود، وأما الركن اليماني فإنه يمسح إذا تمكن من الوصول إليه، ولا يقبل ولا يشار إليه ولا تقبل اليد إذا لمسه بها، بخلاف الحجر الأسود.

فالمتبع والمعول عليه في ذلك ما جاء عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو تقبيل الحجر الأسود، وهذا يدلنا على أنه لا يشرع أن يقبل أي حجر في الدنيا إلا الحجر الأسود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبله، ولولم يقبله ما قبلناه كما قال ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فلا يجوز أن تقبل جدران قبر من القبور أو ضريح من الأضرحة أو أي حجر من الأحجار، وإنما التقبيل خاص بالحجر الأسود، والمسح يكون للحجر الأسود ويكون للركن اليماني، هذا هو الذي جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام.

قوله: [(ولولا أني رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقبلك ما قبلتك)] هذا يدلنا على أن الإنسان يعول على السنة ويتبع السنة ولو لم يعلم الحكمة من ذلك، فإنه لا يتوقف العمل بالأحكام الشرعية على معرفة الحكمة، فالواجب هو الاستسلام والانقياد لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا عرفت الحكمة وجاء شيء يدل عليها فيكون ذلك زيادة بصيرة وزيادة معرفة، وإلا فالاستسلام والانقياد يكون بمجرد ما يأتي الأمر من الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، كما قال الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧]، ويقول سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦] ويقول سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:٦٣].

<<  <  ج:
ص:  >  >>