للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث: (نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة.

حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان قال: قيل له: (لقد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة! قال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، وألا نستنجي باليمين، وألا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو عظم)].

أورد أبو داود رحمه الله تعالى: باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، والمقصود من هذه الترجمة: بيان أن القبلة -وهي: الجهة التي يستقبلها الناس في صلاتهم ودعائهم- لا تستقبل ببول ولا بغائط، بل الإنسان يتجه إلى جهة أخرى غير جهة القبلة، لا من حيث استقبالها ولا من حيث استدبارها فلا يجعلها أمامه ولا وراءه، ولكن يجعلها عن يمينه أو شماله، فإذا كان الإنسان في جهة المدينة أو كانت مكة من جهة الشمال أو الجنوب فإنه يشرق أو يغرب وبذلك يسلم من استقبال القبلة واستدبارها.

قوله: [باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة].

أورد أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة حديث سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه أنه قيل له: (علمكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة)، يعني: حتى الهيئة التي تفعلونها عند قضاء الحاجة، والمقصود بذلك: بيان كيفية التصرف وكيفية العمل عند قضاء الحاجة، والآداب التي تفعل عند قضاء الحاجة.

قوله: [قيل له: (علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة)].

الذين قالوا له هم المشركون، ولهذا قالوا: نبيكم، وما قالوا: النبي، فأضافوه إليهم.

وقوله: (الخراءة) وهي الفعل عند قضاء الحاجة، يعني: علمهم كيف يفعل الإنسان عند قضاء حاجته، فعلمهم أنه لا يستقبل ولا يستدبر القبلة، ولا يستنجي بيمينه، ولا برجيع أو عظم، ولا بأقل من ثلاثة أحجار.

فهذه آداب بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يريد قضاء الحاجة.

قوله: [(لقد نهانا صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة بغائط أو بول)].

يعني: عند قضاء الحاجة سواء الغائط أو البول أو هما جميعاً، فما دام أنه يقضي حاجته فإنه لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها.

وهذا فيه توقير القبلة واحترامها، وأن الإنسان لا يستقبلها ولا يستدبرها وهو يقضي حاجته.

قوله: [(وألا نستنجي باليمين)].

يعني: عندما نريد أن ننظف السبيلين من الخارج لا نستعمل اليمين في التنظيف وإنما نستعمل اليسار؛ لأن اليمين تستعمل في الأمور الطيبة المحترمة المحمودة، وأما الأمور التي فيها امتهان كتنظيف السبيلين بعد الخارج منهما فإنه يكون باليسار لا باليمين.

قوله: (نهانا أن نستنجي باليمين) هذه من الآداب من حيث الجلوس لا نستقبل ولا نستدبر بل نشرق ونغرب، وإذا كنا في شرق مكة أو غربها فنستقبل الجنوب أو الشمال ولا نشرق ولا نغرب؛ لئلا نستقبل القبلة أو نستدبرها، ولكن هذا الذي قيل فيه: يشرق أو يغرب إنما يراد به من كان عن مكة من جهة الشمال كالمدينة، أو من كان عن مكة من جهة الجنوب كاليمن، فإن هؤلاء يشرقون ويغربون.

وأما من كان عن مكة من جهة الغرب أو من جهة الشرق فإنهم يجنبون ويشملون فيتجهون إلى جهة الجنوب وإلى جهة الشمال ولا يشرقون ولا يغربون.

وهذا من الآداب عند إرادة الجلوس.

وكذلك ينبغي عند بناء موضع قضاء الحاجة في المراحيض: أن توجه إلى غير جهة القبلة، فلا يكون فيها استقبال ولا استدبارها، فالذي ينبغي أنه عندما يراد وضع الكراسي التي يقضى عليها الحاجة في المراحيض أن يلاحظ في اتجاهها أن تكون ليست في استقبال القبلة ولا استدبارها.

ثم إذا جلس الإنسان على الهيئة المشروعة لا مستقبل ولا مستدبر القبلة فإن الهيئة التي يتصرف فيها عند قضاء الحاجة ألا يستنجي باليمين، يعني: لا يستعملها في الاستنجاء بل يستعمل اليسار وهذا من الآداب.

قوله: ((وألا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار)).

يعني: إذا لم يستعمل الماء؛ لأن الماء إذا وجد فاستعماله هو الأصل، لكن إذا لم يوجد ماء فإنه يستنجى بالحجارة أو غيرها مما يقوم مقامها من الأشياء التي ليس فيها شيء محذور بأن يستعمل حجارة أو مناديل أو ورقاً ليس فيه كتابة، وكذلك لا يستعمل الأشياء المحترمة كالأطعمة أو ما إلى ذلك.

وإذا استنجى الإنسان بالحجارة فيستنجي بثلاثة أحجار، وإن استعمل حجراً واحداً كبيراً وله ثلاث شعب فإنه يقوم مقام الثلاثة الأحجار؛ لأن المقصود هو استعمال هذا العدد أو ما يقوم مقام هذا العدد؛ من أن يكون حجراً له ثلاث شعب؛ لأن الثلاث الشعب مثل الثلاثة الأحجار.

قوله: ((أو نستنجي برجيع أو عظم)).

والرجيع هو: الروث، والروث قد يكون نجساً كرجيع بني آدم أو الحمير أو غيرها، فكل ما يكون محرم الأكل فإن رجيعه نجس، ومن المعلوم أن إزالة النجاسة بنجاسة لا يزيدها إلا شدة، فكون الإنسان يأتي بعذرة ويستنجي بها فمعناه أنه زاد الطين بلة، وزاد السوء سوءًا والنجاسة نجاسة، ولكن المقصود هنا هو: الروث أو الرجيع من مأكول اللحم كالإبل والبقر والغنم؛ لأن هذه أرواثها طاهرة وليست بنجسة، ولكن لا يجوز أن يستنجى بها.

وكذلك العظم لا يستنجى به، وقد جاء في بعض الروايات بيان الحكمة في ذلك، وأنها طعام إخواننا من الجن، والروث علف دوابهم، وأن الله تعالى يجعل في تلك العظام والأرواث ما فيه الفائدة لهم ولدوابهم.

فإذاً: السنة جاءت مبينة أن الحكمة في ذلك عدم تقذيرها وإفسادها على من هي طعام لهم؛ لأنها إذا استعملت فيها النجاسة ففيها إفساد.

وقيل أيضاً: إن فيها لزوجة، ومعنى ذلك أنه لا يحصل بها التنظيف والإنقاء تماماً.

لكن العلة التي جاءت مبينة سبب ذلك هي أن في ذلك تقذيراً لها على الجن، وأنها طعام لهم، والأرواث علف لدوابهم.

هذه هي العلة المعتبرة في قضية المنع؛ لأنها جاءت مبينة في السنة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>