للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (كنت أتعرق العظم وأنا حائض فأعطيه النبي)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد، حدثنا عبد الله بن داود عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أتعرق العظم وأنا حائض، فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فمه في الموضع الذي فيه وضعته، وأشرب الشراب فأناوله، فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه)].

أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أنها (كانت تتعرق العظم)، يعني: تأخذ العظم الذي عليه بقية لحم ليس بكثير، بحيث إن الإنسان يأكل وينتهي منه، ولا يعيده إلى الصحن أو على الصماط، وإنما إذا أراد أن يتعرق فإنه يخفف اللحم الذي عليه حتى لا يفسده على أحد يريد أن يأكل من اللحم الذي نهش منه، فكانت تأخذه وتنهش منه قطعة من اللحم، ثم تعطيه للنبي صلى الله عليه وسلم، (فيضع فمه على المكان الذي وضعت فمها فيه) أي: من ذلك العظم، وهذا فيه مؤاكلة الحائض، فالرسول صلى الله عليه وسلم أكل مع عائشة وهي حائض، ولم يكتف بمجرد كونه يأكل معها من صحن واحد أو من إناء واحد، بل من نفس العظم، ومن نفس المكان الذي مسه فمها يضع فمه عليه صلى الله عليه وسلم، فالمرأة جسدها طاهر، وإنما النجاسة والحيض في فرجها وليس في يديها أو فمها، وإنما النجاسة في موضع معين منها، فمؤاكلتها ومخالطتها ومضاجعتها ليس فيها بأس، وهذا فيه مطابقة للترجمة من حيث المؤاكلة، فقد كان عليه الصلاة والسلام يؤاكلها، بل ويضع فمه على موضع فمها.

(وكانت تشرب الماء من الإناء، ثم تعطيه للنبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فمه في المكان الذي وضعت فيه فمها) أي: الجهة التي شربت منها في الإناء يشرب منها صلى الله عليه وسلم، ففيه المشاربة للحائض.

والعرق هو: العظم الذي عليه بقية اللحم، وقد جاء في بيان أحوال المنافقين قوله صلى الله عليه وسلم: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً، ثم قال: والذي نفسي بيده! لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء) يعني: لو كان يعلم أن في المسجد لحم يوزع، ولو كان اللحم يسيراً بأن يكون عظم عليه بقية لحم، لشهد العشاء لكي يأخذ نصيبه من اللحم؛ لأن قصدهم وهمهم الدنيا، ولا يريدون الآخرة والعياذ بالله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقهم: (ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً) يعني: لو كانوا لا يستطيعون الوصول إلى المسجد على أرجلهم، فللحرص على تحصيل هذا الثواب لصاروا يحبون على الركب حبواً، ولهذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون ما في صلاة الجماعة من الأجر، وكان الواحد منهم يصيبه المرض فلا تسمح نفسه أن يصلي في البيت وهو مريض معذور، فيأتي إلى المسجد يهادى بين الرجلين، رجل يمسك عضده اليمنى، وآخر يمسك عضده اليسرى، ورجلاه تخطان بالأرض، حتى يقام في الصف، لا يستطيع أن يصل إلى الصف بمشيه، هكذا كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين يعرفون عظم شأن صلاة الجماعة، وأجر صلاة الجماعة.

قال: (والذي نفسي بيده! لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء) وهو عظم عليه بقية لحم، والتعرق: هو الأخذ بالأسنان من ذلك اللحم الذي في ذلك العرق، والمرماتين هما ما بين ضلعي الشاة من اللحم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>