للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو الذي يصفه تُبع بقوله:

عرشُها رافعُ ثمانين باعا ... كَلَّلَته بجوهر وفريد

وبدُرّ قد قَيَّدَته وياقو ... تٍ بالتَّبر أيَّمَا تقييد

أقامت بلقيس في ملكها خمس عشرة عاماً بلغت فيها من جلال الصولة وكمال القوّة أنها ركبت إلى سليمان صلوات الله عليه سار في ركابها مائة ألف من أمراء اليمن.

أما وفور عقلها، ومضاء عزمها، وسناء منزلتها، واستمكانها من نفوس رعيَّتها فقد بلغ من أمره: أن سليمان حين أرسل إليها يُؤذنُها بدينه، ويدعوها إلى سُنته كان كلُّ ما كتب إليها: (إنَّهُ مِن سُلْيمَانَ وإنَّهُ بِسمِ اللهِ الرَّحمن الرحيم ألا تَعْلُوا عَلىَّ

وأُتوني مُسْلِمِين). فأما هي فلم تأخذ العزة بالإثم ولم يَنَلْ من نفسها أنّ الكتاب لم يحو تَكْرِمَةً وتبجيلاً، ولم يذهب برُشدها أن صاحب الكتاب ليس له في ذات نفسها من بسطة الملك وقوة السلطان ما لها. بل جمعت كل من يلوذون بطاعتها من الملوك - وكان أولو مشورتها ثلاثمائة واثني عشر أقيال اليمن - وبرغم كل ما أسلفناه من أمر الكتاب أحلته محلاً كريماً فقالت: (يا أَيُّها المَلأُ إنّي أُلْقِي إليَّ كِتَاب كريم) ثم انثنت إليهم ذلك فقالت: (يَا أيُّها المَلأُ أَفْتُوني في أمْرِي ما كُنْتُ أمْراً حَتَّى تَشْهَدون) أما هم فوقفوا دون رأيها، ونزلوا تحت أمرها، فقالوا: (نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وأُولُو بَأُسٍ شَدِيدٍ والأَمْرُ إلَيْكِ فاْنظُري ماذا تأُمُرين).

<<  <  ج: ص:  >  >>