للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك لم يعد القليل من ذوي الجاه يسمعونه في كثير من التجمل والاعتدال.

وكان حكماء بني أمية وعظمائهم يتواصلون باجتناب السماع وما يستدعيه من تبسط وابتذال. وهذا الوليد بن عبد الملك يطرق سمعه غناء مغن في عسكره ويرى جارية من جواريه تصغي إلى الصوت فيدعو بالمغني ويأمر بخصائه ثم يأمر بخصاء مخنثي المدينة الذين يغشون الديار ويغنون نساءها بالصوت المخنث والكلام المبذول. وهذا مَسْلَمة بن عبد الملك يستمع غناء المغنيات في قصر أخيه

الخليفة سليمان فيزجره في غير رفق ولا هوادة فلا يسع الخليفة إلا أن يطوي بساط الغناء ثم لا يعود إليه.

وكان من سنة المستمعين من خلفاء بني أمية أن يجلسوا وبينهم وبين ندمائهم ستر مضروب تصوّناً واستتاراً واحتفاظاً بما يطلبه الملك من هيبة ووقار. ولقد مكن الخليفة الخليع الوليد بن يزيد لخصومه من أهل اليمن أن يهتكوا عليه ستر الخلافة ويقتحمون عليه دارة الملك ويقتلوه جهرة بين قومه وعشيرته لأنه انحرف عن سبيل آبائه إلى سبيل اللهو والخلاعة والابتذال. وفي ذلك يقول قائلهم:

قتلنا الفارس المختال لما ... أضاع الحق واتبع الضلالا

ألا أبلغ بني مروان عني ... بأن الملك قد أودى فزالا

ولم يكن للجواري في ذلك العهد شأن ولا خطر، فلم يُتخذن إلا قهارم للخدمة أو سراري للاستيلاد، وهم يسمون جفن سلاح تشبيهاً لها بغمد السيف الذي لا شأن له وإنما الشأن لما فيه. وقد ابتكر لهم هذه التسمية همَّام بن غالب الفرزدق في قوله وقد ماتت جارية حامل له:

وجفن سلاح قد رزئت فلم أُنح ... عليه ولم أبعث عليه البواكيا

وفي جوفه من دارم ذو حفيظة ... لو آن المنايا أمهلته لياليا

<<  <  ج: ص:  >  >>