للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما الثانية فجارية جعفر بن يحيى، كانت أنبه من الأولى ذكراً وأبدع شعراً وأتم ظرفاً وكمالا، وأزهى حسناً وجمالا، وأكثر رواية واطلاعا، واطلاعا، وأدق لحنا وإيقاعا، كانت لرجل من أهل المدينة وهو الذي خرّجها في الأدب والغناء، فلما رآها جعفر بن يحيى وقعت بقلبه فاشتراها، وكان الرشيد يسير إلى دار جعفر ليسمعها ويتحدث إليها حتى ألفها واشتد إعجابه بها فكان لما يشعر من شغفه بها ونزوعه غليها لا يطيق الصبر عن المسير إليها، وكان بره بها وألطافه لها مما ضرب به الأمثال. ومن ذلك أنه وهب لها ذات ليلة عقداً بثلاثين ألف دينار، وعلمت زبيدة كل ذلك فأحزنها ودفعها إلى شكوى الرشيد إلى عمومته فصاروا إليه جميعاً فعاتبوه فقال ما لي في هذه الجارية من أرب في نفسها وإنما أربي في غنائها فاسمعوها، فإن استحقت أن يُؤلف غناؤها وإلا فقولوا ما شئتم، فنقلهم إلى يحيى حتى سمعوها عنده فأولوه جانب العذر وعادوا إلى زبيدة فأشاروا عليها ألا

تلح في أمرها فقبلت ذلك وأهدت الرشيد عشر جوار لعله يسلو بهنّ عنها ومنهن مارية أم المعتصم ومرَاحل أم المأمون وماردة أم صالح.

ومما حدث به إبراهيم الموصلي: قال لي بن يحيى خالد إن ابنتك قد علمت صوتا اختارته وأعجبت به فقلت لها: لا يشتدُّ إعجابك حتى تعرضيه على شيخك فإن رضية فأرضَيهِ لنفسك، وإن كرهه فاكرهيه، فامض حتى تعرضيه عليه، فقلت له أيها الوزير فكيف إعجابك، فإنك والله ثاقب الفطنة صحيح التمييز قال أكره أن أقول لك أعجبني فيكون عندك غير معجب إذ كنت عند رئيس صناعتك تعرف منها ما لا أعرف وتقف من لطائفها على ما لا أقف، وأكره أن أقول لك لا يعجبني وقد بلغ من قلبي مبلغا محمودا، وإنما يتم السرور به إذا صادف ذلك منك استجادة وتصويبا، قال: فمضيت إليها، وقد كان تقدم إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>