للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن العجب أن الزهراء حين حلت به سألها الناصر كيف ترين هذا؟ فقالت حسن لولا أن هذا الأسود يضاجعني! - وأشارت إلى جبل قرطبة - فلم يكن غير قليل حتى كسي الجبل حلة مَوْشِيَّة منقطعة النظير من الزهر والريحان وشجر اللوز والصنوبر.

ذلك هو القصر الذي استنفد جهد الناصر وهمته وماله عشرين عاماً، وما كان ذلك الجنون المبرح إلا لأن جاريته ثم زوجته الزهراء طلبت إليه بناءه فشرع به للناس شريعة الفناء في جواريهم، ولعمري لئن رفع الناصر بنيان الدولة العظيمة وأعلى كلمتها ووحد فرقتها لقد احتفر لها القبر العميق بما مكن لهؤلاء في الملك. ملك القلوب والأجساد.

[صبح]

وهذا ابنه الحكم قد غلبت على قلبه وعرشه جاريته صبح البشكنسية فتبادر العظماء وذوو الحاجات إلى غشيان دارها وابتغاء الوسيلة عندها والزلفى إليها، وبهذه الوسيلة انتقل المنصور بن أبي عامر من مقام الكتابة للناس على مدرجة الطريق إلى مقام الوزارة بل إلى مقام الملك لأنه تمكن بها من تقليم أظفار ولدها هشام ابن الحكم، وما زال ينتزع منه مظاهر الخلافة يوماً بعد يوم حتى حجبه عن الناس ومنع اسمه أن يذكر على أعواد المنابر أو يكتب في صدور الرسائل وفي طرر الدراهم، ثم استكتبه كتاباً جعل فيه ولاية العهد لعبد الرحمن بن أبي عامر

دون الغطارف من قريش وسلائل الملوك من بني أمية، فثار الأمويون لذلك ثورة دمروا فيها الزهراء وانتهبوا كنوزها ونفائسها فأصبحت فردوس الدنيا أطلالا بالية ورسوماً عافية كل ذلك لأن الرجل توسل بدهائه وكياسته وجزيل هداياه وجميل ألطافه إلى قلب الجارية المُمَلَّكة فما زال يصعد بها درجة بعد درجة حتى أتعلى هامة الملك

<<  <  ج: ص:  >  >>