للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الندامة مسرعاً، وأما بقيت لك حجة تحتج بها، فليكن ما أخبرتك به نصيب عينيك، ولا تراودني في المسألة فلا أجيبك، والسلام.

فلما بلغته مقالتها زاد وجده حتى خولط عقله ومات بعلته.

وبعد: فهذه صورة ما كان عليه نسوة هذا العصر من غلو في كل شيء، ولست أعني بذلك أن نساء العراق لم يبقى منهن إلا الجامحة في أحد هذين الطريقين فما زال فيهن المستورات اللواتي سرن في الطريق السوي الذي لا اعتساف فيه ولا انحراف، ولكن هؤلاء لم يكن في أسلوب حياتهم شيء يستحق التنويه به ولا مزية تستوجب الإشادة بها وهن مع ذلك قُل في النساء.

[المرحلة الثانية]

[الكساد]

الزواج قيد من قيود الاجتماع أو ثقة الله بين الرجال والنساء لتنكسر به حدة الشهوة الطائشة، وترعوي به سورة النفوس المندفعة، فإذا تم لها ذلك، سمعت الروح وصفت السريرة، وغلبت الفضيلة، وسار الناس إلى الكمال في نهج وأضح وأمد قريب. لذلك لا تجد الأمة الغوية تنزع إلى الزواج، لأنها تريد إثارة الشهوات لا إمانتها، وإيقاظ الفتن لا إخمادها، وترضية النفوس لا ترويضها، فإذا نزع إليه منها نازع فبقدر ما يقضي نهمة جامحة، أو يسدّ مؤتشبا مطمعاً مؤتشباً، ثم يتركها كما يترك اللقَي المهمل، أو يطويها كما يطوي الثوب اللبيس. وذلك ما كان على أتم وجوهه في حواضر العراق، فقد كسد النساء حتى أصبحت المرأة تطلب بالدينار والدينارين فتساق، وهي تعلم أنها ستسلم حين اللقاء تسليم الوداع. ومما ينبئك عن هذا البوار ما حدث صاحب النجوم الزاهرة، أن عالماً من علماء بغداد زوج من تسعمائة امرأة!

<<  <  ج: ص:  >  >>