للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يذكر بأمور كثيرة، يذكر بمجد السلف وأياديهم البيضاء وإرادتهم الصحيحة، يذكرنا بأن فلاناً الذي تحترمه الأمة بنى ذاك المصنع وتلك الدار، وأن فلاناً العالم درس هناك أو كان يألف المكان الفلاني، وكم من أثر تاريخي أو مصنع من مصانعنا نمر به دون أن نحفل بما فيه من عبر، ولو كنا على شيء من مدينة أجدادنا ما زهدنا هذا الزهد البشع في تراثهم، ولو اقتبسنا المدينة الحديثة بمحاسنها ومساوئها لرأيتنا أسرع إلى التقاط آثار الجدود والاحتفاظ بها من الماء إلى الحدود.

لا تستطيع أمة أن تقطع الصلة بينها وبين ماضيها، خصوصاً إذا كانت ذات غابر

عظيم كغابر الأمة العربية، قام على أساس متين، وتقاليد جميلة، ومقدسات متسلسلة، أما ونحن لا نرقى بدون القديم والأخذ من نافع الحديث، فواجب العقلاء أن يفكروا في أقرب الطرف إلى هذه الغاية، وهذا لا يتم بغير إحياء دور العلم ومعاهد الفضل، وإحياؤها موقوف على قليل من العناية.

ليس للمدرسة الحديثة التي ننشئها اليوم تلك النضارة، ولا تتجلى فيها معاني الحسن والإحسان التي نشعر بها ونكاد نلمسها في المعاهد القديمة مثل مدرسة ضيفة خاتون رحمها الله فإنك إذا رأيتها تمثلت أمامك صفحة من تاريخ هذه الأمة المجيد، تمثلت بيت بني أيوب وأفضالهم على ربوع الشام، وكفى بهم وبصلاح الدين حسنة عقم الدهر أن يلد مثلها. كثير من المصانع بناها الملوك بالسخرة وإرهاق الرعية، وإعانات الأسرى والمعتقلين، ولم نقرأ في التاريخ أن أحدا من آل البيت الصلاحي عمر مدرسة أو جامعاً أو مستشفى أو رباطاً من مال مشبوه، أو سخرة ممقوتة، فأكرم وأنعم كل فرد أصيلاً كان في هذا البيت الشريف أو دخيلاً عليه. . . .

عمر أهل الخيرات من سلف هذه الأمة هذا القدر العظيم الذي نعجب به من معاهد التعليم الديني دع المساجد والجوامع، ولو كتب البقاء لبعضها لأغنت القوم بعض الشيء بمعارفها ونشرت النور بينهم. وكانت المدارس والجوامع في تلك القرون المظلمة في الغرب المستنيرة في هذا الشرق هي المتكلفة بتعليم الناس وإخراجهم من الأمية، وكان لمعظم المدارس والجوامع مرتبطة بها وخارجة عنها لتعليم الأطفال تؤهلهم لتلقي دروس

<<  <  ج: ص:  >  >>