للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكلام على مسند أحمد بن حنبل]

الكلام على مسند أحمد بن حنبل: مسند أحمد كتاب عظيم، وهو من أعظم دواوين السنة كما قلنا، يقول الإمام أحمد لابنه عبد الله: احتفظ بهذا المسند؛ فإنه سيكون للناس إماماً، فما اختلف فيه المسلمون فليرجعوا إليه، فإن لم يجدوا فيه حل قضية فليس بحجة، أو كما قال الإمام أحمد.

وأبو موسى المديني يقول: مسند أحمد صحيح، وكلام أبي موسى المديني في حكمه على مسند أحمد بأنه من الصحاح هذا كلام غير صحيح، والصحيح أن مسند الإمام أحمد فيه الصحيح والضعيف، بل والموضوع، وبعض الناس قالوا: إنه ليس فيه الموضوع وإنما الضعيف، أقروا بالضعيف؛ لأن الإمام أحمد قال: إن في المسند أحاديث ضعيفة، كما روى أحد السلف في فضل عسقلان ومرو وغيرها من البلاد.

لكن منعوا أن يكون في المسند حديث موضوع، والحافظ العراقي كذب هذه الدعوى، وجمع من المسند حوالي أربعين حديثاً موضوعاً أو يزيد قليلاً من الأحاديث التي حكم عليها العراقي ومن سبقه بالوضع، لكن الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله رد على الحافظ العراقي ونفى أن يكون في المسند حديث موضوع، ورد على هذه الأربعين التي انتقدها الحافظ العراقي حديثاً حديثاً، وسمى كتابه: (القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد)، وإذا قرأت هذا الكتاب فستجد أن الحافظ ابن حجر رحمه الله أحياناً يجامل الإمام أحمد، وأحياناً يكون صادقاً في الرد على العراقي، وهذا شأن أئمة العلم السابقين، خاصة الحافظ ابن حجر، كان في غاية الأدب مع شيوخه، حتى إنه انتقد على بعض أهل العلم في زمانه من مشايخه انتقادات بين أقرانه، ولم يبلغ هذا الانتقاد مشايخه، فلما طلب منه أن يبرز هذه الانتقادات التي في كتب أشياخه رفض وقال: أبتغي بذلك طيب خاطرهم، وليس في هذا منافاة لمراد العلم، فإنه قد أفرد ذلك بعد وفاتهم، بل بعد وفاته هو طبع ذلك النقد.

الشاهد من ذلك: أن الإمام ابن حجر قد ذب ودافع عن الإمام أحمد إيراده الحديث الموضوع في كتابه (القول المسدد).

وأقول: أحياناً تشعر بأن الحافظ معه الحق، وأحياناً تشعر بأن الحافظ متساهل في جهة إثبات الحديث لا في جهة الذب، فهذه الأحاديث يصفو بعضها للحافظ ابن حجر في رده، ولا يصفو له البعض الآخر.

والشاهد من ذلك: أن المسند فيه أحاديث موضوعة، قلَّت أم كثرت، وأن من قال: إن المسند فيه الحديث الصحيح والضعيف والموضوع، لا شك أن ذلك صدر عن سبر غور هذا الكتاب، وتتبع أسانيده وطرقه.

ثم إن الإمام أحمد قد فاته في كتابه هذا -مع أنه لا يوازيه في الكثرة والعدد مسند آخر- أحاديث كثيرة، رغم سعة هذا المسند، بل قد قيل: إنه لم يقع له جماعة من الصحابة الذين روي لهم في الصحيحين، يعني: بعض الناس قالوا: إن مسند الإمام أحمد رغم سعته وحسن سياقته وترتيبه قد فاته أحاديث صحابة كثيرين، وليست أحاديث مروية ولا أحاديث سنن، إنما هي أحاديث صحابة، ومسانيد صحابة.

ولما كان موضوع المسند أنه يفرد أحاديث كل صحابي على حدة قالوا: قد فاته أحاديث حوالي مائتي صحابي، وهذا القول مبالغ فيه جداً.

ولكن فاته أحاديث في غاية الشهرة، وكان ينبغي ألا تفوته، مثل حديث أم زرع، وهو من حديث عائشة عند البخاري ومسلم وهو من الشهرة بمكان، بحيث لم يكن يسع أحمد ترك هذا الحديث.

يقول الشيخ أحمد شاكر: إن الذي فات المسند من الأحاديث شيء قليل.

وهذا القول من الشيخ أحمد شاكر فيه مجازفة؛ لأن الإمام أحمد نفسه انتقى هذا المسند من بين سبعمائة وخمسين ألف حديث، فهذا المسند الذي بين أيدينا لا يكمل ثلاثين ألف حديث، فكيف يكون المسند -وهو ثلاثون ألف حديثاً منتقى من بين سبعمائة وخمسين ألف حديث- لم يفته إلا الشيء اليسير من الحديث؟! بل هذا المسند الذي بين أيدينا هو انتقاء لأعداد كثيرة من الأحاديث بلغت سبعمائة وخمسين ألف حديث، فهذا الانتقاء بالنسبة لأصله الموجود عند الإمام قليل جداً، فكيف بالأحاديث التي لم تقع لـ أحمد بن حنبل، ولم تكن في مسموعاته؟! ومسند الإمام أحمد خدم مرات قليلة، وأول خدمة عليه كانت من الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، وهو من علماء الأزهر الأفاضل، بل هو فخر الأزهر، فليفخر الأزهر أن خرَّج مثل هذا الإمام العظيم الذي عمل قاضياً شرعياً على مدار عشرين عاماً في المحاكم المصرية.

وأبوه كان وكيلاً لمشيخة الأزهر، فهو من بيت علم، وهو حسني النسب، ينسب إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>