للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا تملك الرجعة فلا يتصور ضرر من جانبها يكون مقصودًا عند الرجعة، والضرار يوجب عملا مشتركا من الجانبين، والاشتراك غير متصور؛ فالضرار يكون بمعنى الضرر؛ وإن ذلك الفهم صحيح في جملته؛ ولكن لِمَ عبر عن الضرر بالضرار، وعدل عن اللفظ الأصلي الموضوع له إلى لفظ آخر؟

والجواب عن ذلك هو أن الرجل عند الإمساك الذي يؤدي إلى الضرار - وهو مبادلة الضرر التي تنشأ عن المعاندة والمكايدة - له حالان:

إحداهما: أن يقصد إلى الضرر والأذى بالرجعة، بأن يمسكها مكايدة وعناتًا ومبالغة في الظلم لتكون كالمعلقة؛ وذلك كما كان يقع من بعض الناس في عصر التنزيل، إذ يرجعون أزواجهم قبل انتهاء العدة، ثم يطلقونهن لتطول العدة، وليبالغوا في الأذى، وذلك أمر منهي عنه، لَا حاجة إلى النص عليه، ومعنى الضرار فيه خفي، لأن الضرر فيه واقع على جانب واحد، ومن جانب واحد، أو هو على الأقل واضح في أحد الجانبين، وليس واضحًا في الآخر.

ثانيهما: هو أن يكون المطلق قاصدًا الرجعة الحق، ولكنه لم يعتزم العدل، ولم يتوقعه، ولم ير أن أسباب الطلاق قد زالت، بل أراد العودة مع قيام أسباب النفرة؛ فإن ذلك يكون كقاصد الضرار، وإن لم يعلنه وإن لم يشعر؛ لأنه سيكون بينهما لَا محالة وسيقع؛ ويكون حينئذٍ الضرار على أصل معناه، ويكون مقصودًا من فاعل الرجعة، أو في حكم المقصود.

وقد بين سبحانه وتعالى أنه سيترتب على الرجعة مع قيام الأسباب التي أوجبت الطلاق والتي اعتبرت ضرارًا - أمران:

أحدهما: أن يعتدي في الحياة الزوجية فيظلم، بل إن إقدامه مع توقع الكيد والأذى اعتداء؛ ولذا قال سبحانه وتعالى: (لِتَعْتَدُوا) فاللام هنا هي التي تسمى لام العاقبة، فهي تبين أن ثمرة الرجعة التي لَا يتوقع فيها العدل هو الاعتداء، بل إن ذات الرجعة في هذه الحال من الاعتداء والظلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>