للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وثانيها - على نهاية الوجوب الذي أوجبه الشارع على الأم عند القائلين بأنه يجب عليها قضاءًا إرضاع ولدها؛ وعلى نهاية الوجوب الديني عند الذين لا يفرضون عليها إلا الوجوب الديني دون القضائي.

وثالثها - أن الرضاع المحرِّم الذي يكون موجبًا لصلة تكون الأنثى فيها حرامًا كالنسب تماما في كل أحوال التحريم لَا يكون إلا في هذين الحولين؛ أما بعد ذلك فالرضاع لَا يحرم (١)، وعلى ذلك الرأي جمهور الفقهاء. وقال أبو حنيفة: الرضاع المحرم مدته ثلاثون شهرًا، وأما الرضاع من حيث الأجرة، ومن حيث الوجوب على الأم ديانة أو قضاء فمدته حولان كنص الآية الكريمة.

وإن هذا الوجوب الذي أوجبه القرآن الكريم على الوالدة يدل على مقدار عناية الإسلام بالرضاعة، ومقدار عنايته بتربية الأطفال، وتغذيتهم، وعنايته بأجسامهم، وسلامة دمهم، فإن لبن الأم هو الغذاء الطبيعي لولدها، ينمو بنموه، ويسير من حيث كم الغذاء مع تقدم سن الطفل شهرًا بعد شهر، وهو غذاؤه في بطن أمه، فيكون هو غذاءه بعد ولادته وإن تعرض الطفل للمراضع يعرضه للأدواء الوراثية تنتقل إليه، بل يعرضه للأدواء النفسية والعقلية تؤثر فيه، فإن المرضع تحمل إليه مع اللبن ما في جسمها من عيوب وراثية، وما في نفسها وعقلها من عيوب أيضًا، وقد أثبتت التجربة أن العيوب النفسية في المرضع تسري إلى من أرضعته، وتتشربها نفسه، بل تتكون منها طباعه، كما تكون من لبنها جسمه.

ومن عناية الشارع بالرضاعة جعلها من أسباب التحريم، فيوجد الرضاعة بين الطفل ومن أرضعته وذويها وكل من تلقوا من ثديها صلة تشبه صلة النسب، ولكي يتحرى الآباء من يرضعن أولادهن، وتتحرى الأمهات من تقمن مقامهن، أو من يشركنهن في الأمومة الفطرية التي أوجدتها الولادة.


(١) قال المصنف رحمه الله: فرق أبو حنيفة بين مدة الرضاعة التي تجب فيها الأجرة، ومدة الرضاعة المحرِّمة، فاعتبر الأولى حولين كاملين كنص الآية الكريمة، واعتبر الثانية ثلاثين شهرا، بقوله تعالى: (وحمله وفصله ثلاثون شهرا) إذ فهم منها أن مدة الفصال الذي ينتهي بانتهاء الرضاعة تحتمل أن تكون ثلاثين شهرا، فللاحتياط أعمل ذلك الاحتمال في التحريم بالرضاع.

<<  <  ج: ص:  >  >>