للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أولهما: لماذا كانت العدة في المتوفى عنها زوجها بالأشهر دون الحيض، فلم تجعل أربع حيضات بدل ثلاثة؟. . ولماذا كانت الزيادة؟

ولم نجد أحدًا تصدى لبيان الحكمة في جعلها بالأشهر، ويبدو لنا أن الحكمة التي تدركها عقولنا - وإن كانت الحكمة الشرعية السامية قد تعلو على مداركنا - هي أن عدة الوفاة تكون للمدخول بها وغير المدخول بها، وللصغيرة والكبيرة، والأساس فيها هو الحداد على الزواج السابق الذي انتهى بوفاة أحد ركنيه، فلزم أن يكون بأمر يشترك فيه الجميع ما دام السبب واحدًا في الجميع؛ وفوق ذلك إن العدة في الوفاة لو قدرت بالحيض، وهو أمر لَا يعلم إلا من جهة المرأة، فربما تدفعها الرغبة في الزواج إلى الكذب فتدعيه وهو لم يقع؛ وفي المطلقات العدة حق للمطلق فيستطيع أن ينكر عليها، أو يظهر كذبها، وهي تخشى صولته، فتبتعد ما أمكن عن المراء؛ أما في حال الوفاة فصاحب الحق الأول قد مات وصار الحق لله خاصًا، فحد ذلك الحق بالأشهر والأيام حتى لَا يكون مساغًا للكذب وادعاء ما لم يحصل؛ لأنَّ الأيام والأشهر تعرف بالكتاب والحساب، وليست أمرًا يعرف من جهتها فقط.

أما الجواب عن الأمر الثاني وهو: لماذا كانت العدة بالوفاة أكثر في الجملة من العدة الناشئة عن الطلاق؛ فيبدو بادي الرأي، من القرق بين حال الطلاق وحال الوفاة، أن الطلاق نتيجة شقاق؛ فالحداد على الزوج الذي ينشئه ليس قويًا، ومعنى براءة الرحم وإعطاء الزوج فرصة للرجعة يكون أوضح في معنى العدة، ويكفي لذلك نحو ثلاثة أشهر؛ أما حال الموت، فإن مرارة الفراق فيها أوضح وأشد، ومعنى الحداد يغلب فيها معنى براءة الرحم؛ ولذلك تجب على المدخول بها وغير المدخول بها، وإن الشارع قد جعلها لذلك أطول من عدة الطلاق؛ وإن الشارع الحكيم قد خفف من حدة ما كانت تعمله النسوة الجاهلية، فقد كانت المرأة في الجاهلية تغلق على نفسها أضيق مكان في مسكنها وتقضي فيه سنة كاملة؛ حدادا على زوجها، فجاء الإسلام، وخفف عليها وجعلها أربعة أشهر وعشرًا، ولنذكر لك ما كان في الجاهلية وما كان في الإسلام، كما روي في صحاح السنة:

<<  <  ج: ص:  >  >>