للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والفضل في أصل معناه الزيادة في كل شيء، وأكثر ما يكون في الزيادة في الأشياء المحمودة؛ ولذا صار يطلق بمعنى العلو، فيقال: فضل هذا على ذاك كذا.

ومنه الفضيلة؛ لما فيها من خير زائد، ولما فيها من علو نفسي وكمال وسمو.

فالله سبحانه وتعالى، حين ذكَّر المطلقين بالفضل الذي أنساهم إياه الغضب، صرفهم إلى الاتجاه إلى الكمال، والتعالي عن سفساف المشاحنات والمنازعات؛ ليكونوا هم الأعلين دائما.

ولقد كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يتجهون ذلك الاتجاه السامي؛ فيروى أن بعض الصحابة تزوج امرأة، وطلقها قبل أن يدخل بها، فأعطاها الصداق كاملا، فقيل له في ذلك، فقال: أنا أحق بالعفو منها.

ويروى أن جبير بن مطعم تزوج ابنة سعد بن أبي وقاص، ثم طلقها قبل الدخول وبعث لها المهر كاملا؛ فقيل له: لم تزوجتها؟ فقال: عرضها عليَّ فكرهت رده، قيل: فلم بعثت بالصداق؟ فقال: وأين الفضل؟.

ولقد ذيل الله سبجانه وتعالى أوامره الحاسمة، وإرشاده الحكيم بقوله عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) للإشارة إلى أنه مطلع على حركات الجوارح، وخلجات النفوس، ونيات القلوب، وما تخفي الصدور؛ فليعلموا ذلك، فإن العلم به يربي فيهم المهابة منه سبحانه وتعالى؛ إذ يشعرون برقابته، فيكَفْكِفُون (١) من غضبهم، ويُنَهْنِهُون (٢) من حدتهم وقتا الطلاق، حتى لَا يذهب بهم فرط الغضب إلى نسيان المعروف، وتجاهل الفضل؛ فلا يسرِّحوا لإحسان بعد أن فات الإمساك بمعروف.

وقبل أن ننهي الكلام في معاني هذا النص الكريم لابد من الإشارة إلى أمرين:


(١) الكَفْكَفة: كفك الشيء؛ أي ردُّك الشيء عن الشيء، وكَفْكَفْت دمْع العين. [لسان العرب - الكاف - كفف].
(٢) النَّهْنَهَةُ: الكَف. تقول: نَهْنَهْتُ فلانا إِذا زجرته فَتَنَهْنَهَ أي كففته فكفَّ. [لسان العرب - باب النون - نهنه].

<<  <  ج: ص:  >  >>