للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والاتجاه الثاني: وليس عليه الجمهور من التابعين - أن المراد بالصلاة الوسطى الصلاة كلها، والوسطى ليس معناها المتوسطة، بل الوسطى معناها الفضلى؛ وذلك لأن الوسطى مؤنث أوسط، والأوسط في أكثر استعمال القرآن الأمثل والأفضل؛ ولذا قال سبحانه: (قَالَ أَوْسَطهُمْ أَلَمْ أَقُل لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ).

والمعنى على ذلك الاتجاه: حافظوا على الصلوات كلها بالمداومة عليها، وحافظوا على أن يكون أداؤكم لها من النوع الأمثل الفاضل بإقامة الأركان خاشعين متبتلين خاضعين منصرفين في أدائها عن كل شئون الدنيا متجهين إلى رب العالمين دون سواه.

وهنا يرد سؤال: لماذا جمع الصلوات في الأول، وأفرد الصلاة في الثاني؟

والجواب عن ذلك أن المراد من الصلوات في الأول الفرائض الخمس بأعيانها، والمعنى في الصلاة في الثاني هو الفعل، فكان المؤدى: داوموا على الصلوات وأن تكون صلاتكم كلها من النوع الأمثل الفاضل.

وقد روي هذا الاتجاه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، وقد اختار ذلك الاتجاه الحافظ أبو عمر بن عبد البر إمام الأندلس في الحفظ والآثار، وإنا نميل إلى ذلك، وخصوصًا أن الروايات في كونها صلاة معينة من الخمس متضاربة، فقيل العصر، وقيل الظهر، وقيل الصبح، وقيل الجمعة، وقيل الظهر والعصر، وقيل الصبح والعصر؛ وإزاء ذلك نميل إلى ما اختاره ابن عبد البر، وهو الثقة الثبت في الحفظ ونقد المتن والرجال.

(وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) القنوت في معناه المداومة على الفعل، وقد خصه القرآن الكريم بمعنى الدوام على الطاعة والملازمة لها وأدائها على وجهها؛ ومن ذلك قوله تعالى في وصف نبيه إبراهيم عليه السلام: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا. . .)، وقال سبحانه مخاطبًا نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وَمَن يَقْنُتْ منَكُن لِلَّهِ وَرسُولِهِ. . .)، وقال في وصف المؤمنين والمؤمنات: (والْقَانِتِينَ والْقَانِتَاتِ. . .).

<<  <  ج: ص:  >  >>