للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بين النعم التي أسبغها عليكم، والتكليفات العبادية التي كلفكم إياها، فيكون الشكر بالعبادة مشابها ومماثلا لنعمة التعليم التي علمنا الله إياها بتلك الشريعة المحكمة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها؛ وهذا معنى قول بعض العلماء: إن الكاف هنا للتعليل، وذلك مستقيم من حيث المؤدى وإن كانت مع ذلك لم تخرج عن معنى التشبيه والمماثلة.

ولعل التفسير الثاني الذي أشار إليه الزمخشري ووضحناه بعض التوضيح هو الذي يتفق مع سياق الآيات الكريمة التي تسبق آية الصلاة وتلحقها؛ لأن فيها إشارة إلى أن تعليم الله تعالى لنا ما عَلَّم من أحكام الشرع الشريف هو في ذاته نعمة تستحق الشكر لله وذكره سبحانه؛ فالصلاة وإن كانت باعثة على أحسن التعامل، هي كذلك شكر للمنعم على ما علَّم وأنعم وهدى.

وفى الآية الكريمة بعض إشارات لفظية نذكرها: ذلك أن الله سبحانه وتعالى قال في حال الخوف: (فَإِنْ خِفْتُمْ) معبرًا سبحانه بإن الدالة على التعليق في موضع الشك أو القلة، وفي حال الأمن قال: (فَإِذَا أَمِنتُمْ) معبرًا بإذا الدالة على التحقيق والكثرة؛ وفي ذلك إشارة إلى أن حال الأمن هي الكثرة، وهي الأمر المحقق الثابت، وأن حال الخوف هي القلة وهي ليست أمرًا مؤكدًا ثابتًا. وفي ذلك بيان لنعم الله على الإنسان أنه وهبه الأمن والدعة والاطمئنان، وما يكون من اضطراب وجزع وقلق فمن فعل الإنسان. فقد وهب الله الإنسان العقل، وجعله في أطوار نفسه يألف ويؤلف، فإذا غلبته شقوته فبدَّل من الأمن حربًا، ومن السلام خصاما، فقد تعدى حدود الله وتجاوز فطرته، والله من ورائهم محيط.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>