للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلى هذا نقرر أن حكم هذه الآية باق لم ينسخ، وثابت مقرر بنص القرآن الكريم؛ وقد قال بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد وجه الحكم بعدم النسخ من قبله فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير، فقد جاء فيه ما نصه بعد بيان قول من حكم بالنسخ:

القول الثاني قول مجاهد: إن الله أنزل في عدة المتوفى عنها زوجها آيتين إحداهما ما تقدم وهو قوله تعالى (يَتَرَبَّصْنَ بِأنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. . .)، والأخرى هذه الآية، فوجب تنزيل هاتين الآيتين على حالتين، فنقول إنها إن لم تختر السكنى في دار زوجها ولم تأخذ النفقة من مال زوجها كانت عدتها أربعة أشهر وعشرًا في تلك الآية المتقدمة، وأما إن اختارت السكنى في دار زوجها والأخذ من ماله وتركته فعدتها هي الحول، وتنزيل الآيتين على هذين التقديرين أولى حتى يكون كل واحد منهما معمولا به.

القول الثالث وهو قول أبي مسلم الأصفهاني: إن معنى الآية من يتوفى منكم ويذرون أزواجًا، وقد وصوا وصية لأزواجهم بنفقة الحول وسكنى الحول، فإن خرجن من قبل ذلك وخالفن وصية الزوج بعد أن يقمن المدة التي ضربها الله تعالى فلا حرج فيما فعلن في أنفسهن من معروف، أي من نكاح صحيح؛ لأن إقامتهن بهذه الوصية غير لازمة؛ قال: والسبب أنهم كانوا في زمان الجاهلية يوصون بالنفقة والسكنى حولا كاملا، وكان يجب على المرأة الاعتداد بالحول، فبين الله تعالى في هذه الآية أن ذلك غير واجب؛ وعلى هذا التقدير النسخ زائل؛ واحتج على قوله بوجوه: أحدها: أن النسخ خلاف الأصل فوجب المصير إلى عدمه بقدر الإمكان.

والثاني: أن يكون الناسخ متأخرًا عن المنسوخ في النزول، وإذا كان متأخرًا عنه في النزول كان الأحسن أن يكون متأخرًا عنه في التلاوة أيضًا؛ لأن هذا الترتيب أحسن، فأما تقدم الناسخ على المنسوخ في التلاوة فهو وإن كان جائزًا في الجملة يعد من سوء الترتيب، وتنزيه كلام الله عنه واجب بقدر الإمكان، ولما كانت هذه الآية متأخرة عن تلك في التلاوة كان الأولى ألا يحكم بكونها منسوخة بتلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>