للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القصص كله ليِّن الأسانيد، وإنما اللازم من الآية أن الله تعالى أخبر نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إخبارًا في عبارة التنبيه والتوقيف عن قوم من البشر خرجوا من ديارهم فرارًا من الموت فأماتهم الله تعالى ثم أحياهم ليروا هم وكل من خلف من بعدهم أن الإماتة إنما هي بيد الله تعالى لَا بيد غيره، فلا معنى لخوف خائف ولا اغترار مغتر؛ وجعل الله تعالى هذه الآية مقدمة بين يدي أمر المؤمنين من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بالجهاد، وهذا قول الطبري، وهو ظاهر وصف الآية (١).

هذه كلمة نقلها القرطبي، وقد اختار من قبله شيخ مفسري الأثر ابن جرير ذلك، وقد ارتضى ألا يتعرض لأولئك الأقوام من هم؟ إذ لو كان في ذكرهم فائدة لذكرهم القرآن، أو لذكرتهم السنة النبوية.

وإن المفسرين السابقين قد نهجوا على أساس أن الموت حقيقي حسي، وأن أولئك قد ماتوا حسًا وأحياهم الله سبحانه وتعالى حسًا، وإن ذلك بلا ريب يكون فيه مع إعلامهم بأن الموت لَا مناص منه، بيان لقدرة الله الخارقة للعادات، المتحكمة في السنن الكونية، فلا تخضع لهذا السنن، لأن الله منشئها.

ولقد جاء من بعد أولئك المفسرين السابقين الأستاذ الشيخ محمد عبده، فرأى أن الموت معنوي، والحياة حسية، فرأى رضي الله عنه أن الموت هو موت الأمم، والحياة هي حياتها، وموت الأمم بتفرق كلمتها وذهاب وحدتها، وضرب الذلة عليها؛ وأن حياتها هي اجتماع كلمتها، ونيل عزتها، وتولى أمرها بنفسها، وخروجها من ديارها أن يتحكم فيها عدوها، فإنها تكون غريبة في أرضها ما دام لا أمر لها فيها، وقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة، ولنترك الكلمة له كما رواها تلميذه السيد رشيد رضا رحمه الله تعالى، فقد قال:

" أطلق القرآن القول في هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم ولم يعين عددهم ولا أمتهم ولا بلدهم، ولو علم لنا خيرًا في التعيين والتفصيل لتفضل علينا بذلك في كتابه المبين، فلنأخذ القرآن على ما هو عليه، لَا ندخل فيه شيئًا من الروايات.


(١) أحكام القرآن للقرطبي جـ ٣ ص ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>