للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أولا: بأن الله اصطفاه أى اختاره من الصفوة وأهل الهمة والنبل، وقال (اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ)، ولم يقل منكم مع أنه منهم، للإشارة إلى فضله عليهم واستعلائه بما منحه الله من خواص وصفات، وإنه كان يكفي اصطفاء الله له ليسكتوا ولا يعترضوا؛ لأنه ليس فوق إرادة الله إرادة، وليس لهم الخيرة فيما اختاره الله؛ ولأنهم فوضوا أمر اختيار الملك إلى النبي، وقد اختاره الله ربهم ورب النبي.

ثانيا: وردَّ نبيهم اعتراضهم ببيان المقياس الصحيح لعظم الرجال واستعدادهم لقيادة الشعوب إلى مواطن العزة والشرف، لقد حسبوا النسب والمال مقياس العظمة، فبين لهم مقياسها، فقال: (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْم وَالْجِسْم) أي أنه أعظم منكم جميعًا، لأن الله سبحانه زاده عليكم في الأمرين اللذين هما سبب للقيادة الحكيمة، وهما:

أولاً: قوة العقل وسعة العلم وكثرة التجارب، وثانيا: قوة الجسم وعظم الْمُنَّة (١). وفي ذلك فوق التنبيه إلى مقاييس العظمة الحقيقية، إشارة إلى الأهلية للمنصب في الدولة، فالأهلية للمنصب ليس الحسب والنسب والمال، ولكن الأهلية للمنصب بالكفاية فيه، فإذا كان الملك أعلى المناصب، وإذا كانت الرياسة الكبرى أعظم الاعمال تبعات، فليس الذي يؤهل للمناصب السعة والمال، بل الكفاية لها والقدرة عليها؛ ففي الآية الكريمة إشارة إلى مقياس العظمة، وإلى مقياس الاختيار للأعمال والمناصب.

والبسطة في العلم معناها الاتساع في الأفق والتجارب، وقوة العقل والتدبير والإحكام في التفكير، فالبسطة معناها الاتساع، وإذا أضيفت إلى العلم فمعناها الاتساع والإحاطة بكل ما يوجه العقل إلى التفكير المستقيم مع سلامة العقل نفسه.

وبسطة الجسم اتساعه، لَا بمعنى كثرة اللحم والشحم، بل بأن يكون سبط العظام مديد القامة بعيد ما بين المنكبين، وقد يراد ببسطة الجسم تلك الحقيقة، وهو


(١) الْمُنَّة: المُنَّةُ، بالضم: القوَّة، وخص بعضهم به قوة القلب. [لسان العرب - الميم - منن].

<<  <  ج: ص:  >  >>