للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو يومئ إلى تغاير بينهما: فهذا بلى، وهذان بقيا على حالهما، وكان بقاؤهما دليلا على قدرة العلي القدير، وتغييره أمارة على مرور السنين.

وهنا بحث لغوي في قوله تعالى: (يَتَسَنَّهْ) فإما أن نقول أنه من السنة

كقولهم: سانهت وسانيت فمعنى (لَمْ يَتَسَنَّهْ) لم يتغير بمرور السنين وذلك من سنهت النخلة وتسنهت إذا أتت عليها السنون وغيرتها، وإما أن نقول إنها من أسن الماء أي تغير. وقيل أصلها " لم يتسن " وقلبت النون هاء ولكن على معنى يتغير والأولى أولى بالقبول وأقرب في المعنى والاشتقاق.

(وَلِنجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ) والمعنى: فعلنا ما فعلنا لتدرك قدرة الله سبحانه وتعالى كما رأيت ولنجعلك آية، أي معجزة معلنة قدرة الله سبحانه وتعالى للناس لكي يؤمن بالبعث والنشور من لَا يؤمن ولكي يدرك عظمة الله في الخلق والتكوين من لم يدركها وعلى ذلك فالواو في قوله تعالى: (وَلِنَجعَلَكَ) للعطف على نتائج الكلام السامي الذي سبقها، لأن نتيجته أن تطمئن وتدرك ولنجعلك. . . إلخ.

ووجه كونه آية للناس أن الناس تناقلوه فيما بينهم وأن أحفاده يذكرون أنه مات وانتهى فإن وجدوه حيا وأعلمهم بما كان له وما أصابه من موت ثم حياة، ولابد أن من أسرته ومن ذريته من يذكر غيبته وأنه عاد وأنه حيي بعد وفاة وبعث بعد موت - كان ذلك آية البعث وعلامته الحسية ودلالته القاهرة لمن عنده قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

وبعد أن ذكر سبحانه تلك الآية الدالة على كمال قدرته وجه الأذهان إلى ما في أصل الخلق من دلالة على قدرة الله سبحانه وتعالى على الإعادة كما هو قادر على الإنشاء، وأن الإنشاء نفسه دليل القدرة على الإعادة (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)، وأنه لو تنبه الإنسان لأصل خلقه لأدرك عظيم القدرة، فقال سبحانه مخاطبا ذلك الذي أحياه بعد موت:

(وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا) أي انظر إلى العظام كيف ننشزها أي نركب بعضها في بعض بعد أن نوجدها، فالإنشاز الإنشاء للعظام

<<  <  ج: ص:  >  >>