للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد روى البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يومًا لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فيمن ترون هذه الآية: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ) نزلت؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فغضب عمر، وقال: قولوا نعلم أو لَا نعلم! فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين، قال: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك.

قال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل. قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: لعمل رجل غني يعمل بطاعة الله، ثم بعث الله له الشيطان فعمل في المعاصي حتى أحرق عمله، وفي رواية أخرى: فإذا فني عمره واقترب أجله ختم ذلك بعمل من أعمال الشقاء).

وروي أن عمر رضي الله عنه قال: هذا مثل ضرب للإنسان يعمل عملا صالحًا حتى إذا كان آخر عمره أحوج ما يكون إليه عَمِل عمل السوء.

وإننا إذا نظرنا إلى سياق الآيات قصرنا المشبه على من يفسد عمله بالمن والأذى والمباهاة والمفاخرة، ثم إذا نظرنا إلى هاتين الروايتين اعتبرنا المشبه هو حال الرجل يعمل الصالحات، حتى إذا دنا أجله أو كاد، عَمِل عملا غير صالح، فكانت حاله كحال رجل كل ثروته حديقة غناء فيها من كل الثمرات وكل زوج بهيج، قد توافر خيرها، حتى إذا أصابه الكبر وله ذرية ضعاف تحتاج إلى ما يترك من مال، أصابت ثروته ريح عاتية فذهبت بها، فترك ذريته من غير شيء. وعلى هذا يكون المقصد والمرمى الاستمرار على عمل البر والمداومة عليه في هذه الدنيا.

وعندي أن يجعل المشبه خاصا في دائرة السياق الخاص بالمن والأذى والرياء، ويكون التشبيه على هذا الوجه أن حال من يفعل الخير ويكثر منه ثم يبطله بالمن أو الأذى أو الرياء، كحال رجل يملك حديقة غناء جعلها موضع أمله في حياته، وغذاء أولاده بعد وفاته وهو في سن الكبر، ثم وهو في هذه الشيخوخة الفانية أصحاب ثروته ريح أحرقتها، إنه لَا يود أحد أن يكون في هذه الحال، فكذلك يجب أن ينفر فاعل الخير من تلك الموبقات التي هي كالريح العاصف الذي يهلك الزرع

<<  <  ج: ص:  >  >>