للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه هي المغفرة التي يعد الله سبحانه وتعالى بها، وأما الفضل وهو النماء والزيادة فإن ذلك يتحقق بالصدقات؛ لأنها تُحدث البركة في الرزق فيكون القليل في يد المتصدق كثيرًا بتوفيق الله تعالى، وبتوجيه من الله تعالى إلى السبل الناجحة، وإبعاده عما يذهب فيه المال ضياعًا، وإن الفضل يتحقق بسيادة المرء على نفسه، ومن ساد على نفسه فقد ساد على غيره، والمنفق يغالب الأهواء فينتصر، فيشرف في نفسه، ويشرف أمام الناس؛ ثم إن الله سبحانه مخلف الرزق في الدنيا بالتيسير والتسهيل والرزق الوفير، وفي الآخرة بالنعيم المقيم؛ ولقد قال تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يخْلِفُهُ وَهوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، وقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفًا " (١) وإن ذلك مشاهد محسوس بين الناس اليوم، فإن الممسك إن لم يتلف ماله تلف جسمه، فإن لم يتلف جسمه تلفت نفسه، أو شرفه، وتقطعت صلات المودة بينه وبين الناس حتى أقرب الناس إليه.

(وَاللَّه وَاسِعٌ عَلِيمٌ) ختم الله سبحانه وتعالى هذه الآية بتلك الجملة السامية تأكيدًا لوعده الذي وعد به عباده المتقين المتصدقين؛ فإنه سبحانه وتعالى قد وعدهم بأن يعطيهم من فضله، فبين سبحانه وتعالى أنه واسع المغفرة، واسع الفضل، يعطي من يشاء؛ فإذا كان هو الذي أعطى الغني من فضله ابتداءً، فهو الذي يمده إن تصدق بفضله أيضًا، وهو مع سعة فضله ومغفرته عليم بموضع المغفرة وموضع الفضل، وهو الصادق فيما يعد، يعلم نتيجة العطاء، وأنها لَا تنتج فقرًا كما يوسوس الشيطان، بل يعلم الغيب، وقد أكنَّ في قدره أنها تنتج مغفرة وفضلا، فصدِّقوا أيها المنفقون من يعلم الغيب، ولا تسيروا وراء وسوسة الشيطان الرجيم.

* * *


(١) البخاري: الزكاة - قول الله تعالى: (فأما من أعطى واتقى) (١٣٥١)، ومسلم: الزكاة - في المنفق والممسك (١٦٧٨). عن أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>