للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " الصدقة تطفئ المعصية " (١) ولأن من الصدقات ما لَا يمكن إلا أن تكون معلنة كشراء سيدنا عثمان بن عفان لبئر رومة ووقفها على المسلمين؛ فلا يمكن أن تكون تلك الصدقات المعلنة التي يبتغى فيها وجه الله غير مكفرة للسيئات، وقد أعدَّ عثمان جيش العسرة، فهل يغض ذلك من صدقته. ولذا نرى أن تكفير الصدقات للسيئات لَا يختص بصدقات السر وحدها، بل يعم الصدقات كلها. ولقد أثار العلماء بحثا في أيهما أفضل: صدقة السر أم صدقة الجهر؟ وقبل أن نخوض في أقوال الفقهاء في ذلك نقرر أن الصحابة أثرت عنهم صدقات الجهر، كما كان معلومًا عنهم أنهم يتصدقون ويخفون حتى لَا تعلم شمالهم ما تنفق يمينهم.

ومما يروى في صدقاتهم التي كانت معروفة أن عمر رضي الله عنه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بنصف ماله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ما خلفت وراءك لأهلك يا عمر؛ " قال: خلفت لهم نصف مالي: وفي هذا الوقت جاء أبو بكر بكل ماله، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ما خلفت وراءك لأهلك يا أبا بكر؟ " قال: عِدةُ الله وعدة رسوله. فبكى عمر وقال: بأبي أنت وأمي يا أبا بكر، والله ما استبقنا إلى خير قط إلا كنت سابقًا! (٢).

وتبرعات عثمان كثيرة مشهورة معلمة بينة، دونتها كتب التاريخ، والسيرة المحمدية الشريفة.

وإذا كان المأثور عن الصحابة وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - صدقة العلن والسر، ففي كل خير، والآية صريحة في ذلك. ولكن بعض العلماء فضَّل صدقة السر، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث البخاري: " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لَا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه يرجع إليه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه،


(١) سبق قريبا بلفظ: " الصدقة تطفئ الخطيئة ".
(٢) رواه ابن أبي حاتم في التفسير - ما خلفت وراءك لأهلك، وابن مردويه، وابن عساكر. عن الشعبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>