للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الناحية الأولى: أنها تعود على نفسه بالتهذيب والتربية، وتقوية الإحساس بحق الجماعة عليها، والتأليف الروحي بينها وبين الناس؛ وهذا ما ذكره سبحانه بقوله: (وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ) أي أن كل شيء تنفقونه خير عائد على أنفسكم من حيث إنه يهذبها، ويقوى صلاتها الاجتماعية، ويرهف الوجدان، وفوق هذا وذاك فإن الإنفاق يدفع غوائل اجتماعية إن سلطت على الجماعة أذهبت وحدتها، وقوضت بناءها؛ فإن أولئك الفقراء إن لم يمكنوا من حقهم في الحياة كانوا أداة تخريب وعنصر هدم، وكانوا كالشاة إذا جوعتها انتشرت ذئبًا، وافترست كل ما في طريقها؛ وإن دفع هذه الكوارث هو حماية للنفس، ودفاع عن الوجود، وهذا المعنى يتضمنه قوله تعالى: (وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ) لأنه حماية لها.

فهذه هي الناحية الأولى التي تعود بالخير على المنفق، أيا كان من يعطيه، وأيا كان مقدار العطاء قليلا أو كثيرًا؛ ولذا قال: (مِنْ خَيْرٍ) فـ " من " الدالة على البعضية تنبئ عن أنه يجوز الإنفاق بالقليل والكثير، وفي كل خير يعود على النفس.

والناحية الثانية: ما أشار إليها سبحانه بقوله تعالى: (وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ) فهذه الجملة السامية تثبت الخيرية في الصدقة، ولو كانت لعاص أو كافر؛ ذلك لأنه لَا يقصد بالعطاء إرضاء العاصي أو الكافر إنما يقصد بالعطاء وجه الله تعالى ورضاه، ورضا الله سبحانه وحده غاية ترجى، وخير عظيم يطلب، ومقصد أسمى يتجه إليه المؤمن ويبتغيه طالب الهداية؛ فإن المؤمن العامر قلبه بالإيمان يحس بروحانية إن طلب رضا الله وابتغاه، أي طلبه بشدة.

وقوله تعالى: (ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ) لَا يدل على طلب رضا الله فقط، بل يدل مع ذلك على طلب إقبال الله تعالى عليه؛ لأن كلمة (وَجْهِ اللَّهِ) تدل على الرغبة في المواجهة والاتصال بالله تعالى، وإقباله على ربه، وإقبال ربه عليه؛ وتلك منزلة

<<  <  ج: ص:  >  >>