للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطلب في سبيل الله، أم كان ذلك الواجب خدمة عامة حبسوا أنفسهم لها، أو القيام بأمر من الفروض الكفائية التي تخصصوا في بعضها كطلب العلم، فإن هؤلاء على المجتمع فرادى وجماعات وعلى الدولة أن تسهل لهم الحياة، وتمكنهم من الاستمرار على طلب ما يطلبون.

والخلاصة أن الإحصار على هذا يشمل العجز المادي عن الكسب إما لمرض أو شيخوخة أو نحوهما، أو لطلب العمل مع عدم القدرة عليه، كما يشمل الذين حبسوا لتكليف عام، والقيام بفرض من فروض الكفاية.

وأما الوصف الثاني منِ أوصاف أولئك الفقراء الذين هم أولى الناس بالإنفاق عليهم أنهم (لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ). والضرب في الأرض إما أن نقول إنه بمعنى الذهاب في الأرض والسفر فيها طلبًا للرزق؛ إذ إن هذا المسافر يضرب الأرض برجله كما قال تعالى: (وَإِذَا ضربْتُمْ فِي الأَرْضِ ... )، والمعنى على هذا أن هؤلاء لَا يستطيعون السفر للاتِّجار وكسب الرزق.

إما أن يقال هذا، وإما أن يقال إن الضرب في الأرض بمعنى حرثها وزرعها، فإن الحارث الزارع يضرب الأرض بفأسه ويشقها بمحراثه. والأولى في نظري أن تكون كلمة الضرب في الأرض شاملة، وأن يكون النفي شاملا، أي أن هؤلاء الفقراء لَا يستطيعون العمل في الأرض بالزراعة، أو الذهاب فيها للاحتطاب والكسب، أو السفر للاتِّجار، والتنقل بين الأمصار سعيًا في الرزق، لَا يستطيع أولئك الفقراء شيئًا من هذا بسبب الحجز المادي، أو لأنهم حبسوا لنفع عام، أو واجب كفائي على العموم، وقد تخصصوا هم لأدائه، ولقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ " (١).

وأما الوصف الثالث من أوصاف أولئك الفقراء الذين هم جديرون بالعطاء أنهم (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ)، ومعناه أنهم متجملون لَا يعرف حالهم


(١) رواه الترمذي: الزكاة - من لَا تحل له الصدقة (٥٨٩)، وأبو داود: الزكاة - من يعطى من الصدقة وحد الغنى (١٣٩٢) وأحمد (٦٢٤٤)، وابن ماجه، الزكاة - من سأل عن ظهر غنى (١٨٢٩) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>