للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويسقطون كالمصروعين؛ لأنهم أكلوا الربا فأرباه الله في بطونهم حتى أثقلهم فلا يقدرون على الإيفاض ". ونرى من هذا أن الكشاف يقصر تلك الحال التي صورها التمثيل على الآخرة. وإني أرى أنه يصور حالهم في الدنيا والآخرة؛ فهم في الدنيا في قلق مستمر، وفي الآخرة تثقلهم سيئاتهم فيتخبطون، وكأنهم المصروعون.

ولا عجب في أن تكون تلك حالهم في الدنيا، فالربويون أكثر الناس تعرضًا للأزمات القلبية، كما يعرَضون الجماعات للأزمات الاقتصادية؛ ولقد قرر الأطباء أن نسبة ضغط الدم، وتصلب الشرايين، والشلل والذبحة الصدرية عند الربويين أضعافها عند غيرهم، وما علمت ربويا مات إلا سبقه الشلل أو أخواته قبل أن يجيء إليه الموت ليستقبل نار جهنم؛ وذلك لأنهم (لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّدي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) والله أصدق القائلين.

والربا معناه واضح يفهمه العامة وهو الزيادة في الذين في نظير الأجل، ولكن الذين يحاولون تطويع الشريعة لتكون أمةً ذليلة للاقتصاد الربوي عقدوا معنى الربا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ولذلك وجب أن نتكلم بإيجاز في معنى هذه الكلمة.

أصل الربا من " ربا " يربو بمعنى " زاد "، أو " نما "، ثم أطلقت كلمة ربا على ذلك النوع من التداين، وهو أن يزيد المدين في الدَّين في نظير الزيادة في الأجل، وقد صار إطلاق كلمة الربا على هذا المعنى حقيقة لغوية، أو هو عرف لغوي، وهذا هو الربا المذكور في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذينِ آمُوا لَا تَأْكلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضاعَفَةً. . .) وقوله تعالى: (ومَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ. . .)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - " ألا إن ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب " (١) وهذا الربا يسمى ربا النسيئة؛ ولقد ورد في


(١) جزء من حديث طويل رواه مسلم: الحج - حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (٢١٣٧)، وأبو داود في المناسك - صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (١٦٢٨)، وابن ماجه: المناسك (٣٠٦٥)، وأحمد: أول مسند البصريين (١٩٧٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>