للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد أجيب عن ذلك بجوابين:

أحدهما: بأن معنى تداينتم هو تعاملتم، والتعامل يكون بالدين وغيره، فلما ذكرت كلمة (بِدَيْنٍ) كانت صريحة في أن التعامل كان بالدين. وعندي أن استعمال تداين بمعنى تعامل هو توسع، وإن التفسير الخاص لها هو أن التداين معناه التعامل بالدين، لَا مطلق تعامل.

والجواب الثاني: هو ما أجاب به الزمخشري في الكشاف بقوله: (ذكر الدين ليرجع الضمير إليه في قوله: (فاكتبوه) إذ لو لم يذكر لوجب أن يقال فاكتبوا الدين فلم يكن النظم بذلك الحسن، ولأنه أبين لتنويع الدين إلى مؤجل وحالّ). ومقتضى هذا الكلام أنه صرح بالدين لأنه موضوع القول لَا مجرد التعامل به؛ وإن هذا التخريج أوجه من قول غيره إن ذكره لمجرد التأكيد، مثل قوله تعالى: (وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ... ).

وعبر سبحانه وتعالى بـ تداينتم بدل استدنتم، أو أدنتم، لأن تداينتم تعم الفريقين: الدائن والمدين، فكلاهما متداين؛ ذلك بالعطاء، وهذا بالأخذ. أما استدنتم فإنها تطلق على المدين فقط، والثانية تطلق على الدائن، والمطالبة بالكتابة موجهة إلى الدائن والمدين معًا، فالكتابة ليست حقا للدائن، بل هي واجب عليه، وإن كان الذي يتولاها هو المدين.

ووصف الأجل بالمسمى، للإشارة إلى وجوب إعلام الأجل، فيذكر الشهر الفلاني، أو إلى وقت الحصاد، ونحو ذلك مما يكون معرفًا تعريفًا يمنع من الجهالة.

والدين يشمل دين القرض، ويشمل أثمان المبيعات إذا كانت مؤجلة، ويشمل المبيع في السَلم إذا كان الثمن معجلا والمبيع مؤجلا ومعرفا بالوصف والنوع والجنس؛ فكل هذه ديون مؤجلة إلى آجال مسماة، على خلاف في القرض، فإن الحنفية والشافعية قالوا: إنه لَا يصح أن يسمى له أجل، وذلك لأن القرض تبرع، والأجل شرط، والشروط لَا تلزم في عقود التبرعات، ولأن القرض عارية، ولا ينقلب مضمونًا إلا باستهلاكه على رأى البعض، ولذلك يقول فقهاء هذين المذهبين:

<<  <  ج: ص:  >  >>