للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عارية الدراهم والدنانير قرض ويقول القانونيون في مثل هذا إنه عارية استهلاك، أي عارية لَا ينتفع بالعين فيها إلا باستهلاكها والتصرف فيها.

وقال المالكية وأكثر الحنابلة: إنه يصح الأجل في القرض وتجب تسميته وتعريفه، لنص هذه الآية، إذ هو دين داخل في عموم الدين في الآية الكريمة، ولأن القرض لَا فائدة فيه للمدين إلا إذا كان مؤجلا، فكانت المصلحة في أن يعين الأجل ويتفق عليه بينهما دفعا للمشاحة، ومنعًا للنزاع وإن ذلك الرأي هو الأظهر وهو الذي يشمله عموم النص، وهو الأقرب إلى عرف الناس، والمصلحة فيه.

والأمر بالكتابة هنا أهو للطلب الملزم الذي لَا محيص للمكلف عنه، أم للإرشاد أو الندب؟ قال جمهور العلماء: إنه للندب؛ وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ألزم الدائنين بكتابة ديونهم، ولا المدينين بأن يكتبوها، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " (١) ولأن الله سبحانه وتعالى قال بعد ذلك: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانتَهُ. . .)، وإن ذلك بلا ريب تسويغ لعدم الكتابة، والاعتماد على مجرد الأمانة، فإنه مع الكتابة لَا ائتمان، أو لَا اعتماد على الأمانة.

وقال الظاهرية: إن الأمر هنا للوجوب، ومن لم يفعل كان آثمًا، ذلك لأن الأصل في الأمر أنه للوجوب، ولا يخرج عن الوجوب إلى غيره إلا بدليل من النصوص، ولم يوجد الدليل؛ ولأن طلب الكتابة تأكد بطرق عدة؛ منها النص على الكتابة في الصغير والكبير من الديون بقوله تعالى: (وَلا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ) ومنها النص على أنه الأقسط والأقوم للشهادة، والأدنى للمنع من الارتياب؛ ومنها التعميم واستثناء صورة واحدة، وهي حال التجارة الدائرة بين التجار، وقصر نفي الإثم عليها دون غيرها، فإنه إذا كان نفي الإثم مقصورًا على هذه الحال فمعنى ذلك أن الإثم ثابت في غيرها، وإن الائتمان لَا يتنافى مع الكتابة،


(١) رواه البخاري: الصوم - قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا نكتب " (١٧٨٠)، ومسلم: الصيام - وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال (١٨٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>